بقلم: عبد القادر أحمد بن قدور
إذا كان المرحوم برحمة الله الواسعة المفكر والوطني الغيور الأستاذ والصحافي اللامع عبد الكريم غلاب أحد رموز الحركة الفكرية المغربية المضيئة وعضو الأكاديمية المغربية أثناء حياته بامتياز واقتدار كبير ورئيس اتحاد كتاب المغرب لعدد كثير من السنوات خلال السبعينيات من القرن الماضي فلتة من فلتات الزمن، وظل إلى الرمق الأخير من حياته قامة وطنية سامقة، أدبا وثقافة وحضورا متميزا، وكان من حظنا نحن الذين عايشناه في دار الفكر للاتحاد المذكور من أبناء المغرب المعاصر وغيرهم أن عاصرنا أمثال الأستاذ الجليل غلاب وتغذينا فكريا على إنتاجه الفكري والأدبي، وتعلمنا معاني الوطنية الحقة وغيرها على يديه وعلى يد الزعيم الكبير والخالد الأستاذ الجليل والمرحوم بالرحمات الواسعة علال الفاسي، الذي درسنا عليه كذلك بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط، لذلك في بداية هذه الذكرى أشير ببعض الأبيات الشعرية الهامة والأساسية يمدح فيها الراحل الآنف الذكر قبل وفاته بسنوات عديدة ومنها كما أذكر معه:
أخي عبد الكريم فدتك نفسـي ** أمثلك من يقرضه القريـــض؟
فما تنشيه من قصص ونثــــر ** لدى أنظارنا الروض الأريض
تحدث كاتبا، ونحس شعــــرا ** بديعا ليس ينقصه العـــروض
وتسبح في معانيك اللــــوات ** تفيض بها بحور لا تفيـــــض
خلائق عبقريات حســـــــــان ** ريادتهن للرؤيا تـــــــــــروض
تشخص من عوالمنا ضروبا ** بها العيش المحبب والبغيــض
فلوحات البطولة في جهــــــا ** لتحرير البلاد بها فــــــــروض
إلى أن يذكر في الختام لهاته القصيدة البليغة والمؤثرة:
ولو عرفوا المبادئ ساميـــات ** لكانوا المومنين بما تفيـــــض
وإن الحق يعلو عن قریـــــــب ** ويتبعه من الشعب القضيـــض
رحم الله الرجلین الكبیرین والوطنيين المغوارين البطلين النموذجين لكل الأجيال في المغرب الحر والعالم العربي والإسلامي کله…
و إذا كان قد انتقل إلى رحاب الله هذين الرجلين الكبيرين والغيورين كثيراً على هذا الوطن والأمة الإسلامية والعربية كافة.
فلابد من ذکر أن بھذا قد ظل عبد الكريم غلاب إلى الرمق الأخير قامة وطنية فذة وسامقة، أدبا وثقافة وحضوراً وعملا كبيرا عاما، وتغذينا فكريا على إنتاجه الفكري والأدبي وافتتاحياته لجريدة “العلم” الغراء في “مع الشعب” وغیر ذلك من مقالاته وإنتاجاته وكتبه ورواياته الكثيرة والعديدة وقصصه المختارة والنبيهة… وتعلمنا منه ومن أستاذنا علال الفاسي من روادي الحركة الوطنية القحة معاني الوطنية الخالصة، وقراءة أحداث الحياة في مدرسته الصحافية كاتباً يومياً مرموقاً ببهجة كتاباته القيمة وتعبيراته عن مشاكل المجتمع بتحليلاته المتميزة والغيورة، ومواقفه الخاصة هي التي رسمت لي الصورة التي ستبقى لهذا الرجل في ذاكرتي ووجداني راسخة…
وإن نسيت لا أنسی ما ذکره لنا أستاذنا الكبير زعيمنا السياسي المرحوم علال الفاسي عندما كانت تحاكم محاكمة صعبة جريدة “العلم” لما كان مديرها الصحفي اللامع وطنياً وعربيا وغيره الأستاذ عبد الكريم غلاب آنذاك الجريدة الثواقة إلى التغيير والإصلاح والتقدم بالبلاد، محاكمة في فترة حرجة من تاريخنا المغربي خلال بداية السبعينيات من القرن الماضي وغيرها. وفي يوم قبل هذه المحاكمة التي كانت على مقال جريء له في تلك الفترة العصيبة ونحن في قاعة الدرس بكلية الحقوق بالرباط، بعد محاضرة الزعيم الكبير أستاذنا الجليل المرحوم علال الفاسي، الذي أشار علينا والدموع تكاد تهطل من عينيه بأن هاته الجريدة ستحاكم غداً بالرباط وقالها بصوت أجش وبعبارات تنم عن ألم وحزن عمیقین و شدیدین وحشرة كبيرة، وهو يذكر غدا سيحاكموننا يا أبنائي الطلبة الذين كانوا يدرسون عندنا يا ليتهم يحكمون علينا بالعدل والقسطاس، وأثارنا هذا الخبر من عالم فذ وتعاطفنا معه كثيراً، ومع هذه الجريدة العتيدة، ومرت المحاكمة في عدة جلسات، وأخيرا حفظ ملفها… وبقيت راسخة في أعماقنا نحن الطلبة والطالبات وكل الإعلاميين والإعلاميات والوطنيين والوطنيات ذكرى سيئة لهاته الواقعة في تاريخ المغرب الحديث.
وأتذكر، والذكرى تنفع المومنين، لما كنت دائما أحضر المحاضرات والندوات بدار الفكر لاتحاد كتاب المغرب المأسوف عليه الآن والمرحوم غلاب يسیر کل هذه اللقاءات باقتدار وحنكة، وفي أحد اللقاءات الهامة في نفس اليوم كنت قد قرأت المذكرات الأسبوعية ليوم الأربعاء على ما أذكر في ذلك اليوم بالذات كتبها الصحفي اللامع عبد الكريم غلاب عن كتاب الدكتور الكبير والمفكر العظيم مصطفى محمود “الله والإنسان”. هذا المفكر الذي عاش في مناخ تربوي لا قهر فيه ولا قمع ولا عنف، وإنما حرية ومسؤولية ومحاسبة في لطف، وكان دائما يحلم وهو طفل بأن يكون مخترعا عظيما ومكتشفا أو رحالا أو عالما مشهورا، وكانت النماذج التي يحلم بها هي كريستوفر کولمبس وأديسون وماركوني و باستيره، وهو رجل مثير للجدل.
واستطاع بالبحث والعلم أن يصل إلى أعلى درجات الايمان بعد 30 سنة من المعاناة الفكرية، توصل بعدها للهداية الإلهية، وأنهى هذه المرحلة العصيبة بأروع الكتب وأعمقها (حوار مع صديقي الملحد)، و(رحلتي من الشك إلى الإيمان)، و(التورات)، و(لغز الموت)، و( لغز الحياة)، وغيرها من الكتب شديدة العمق التي تطرقت لهذه المنطقة الشائكة وهي ((علاقة الإنسان بإله الكون). وكان يبحث ويتقصى ويتأمل ليصل إلى الحقيقة، لأنه كانت التساؤلات تؤرق ذهنه، فقرر دراسة الطب لإرضاء فضوله وتطلعه إلى العلم ومعرفة الأسرار، وللحصول على إجابات عن تساؤلاته الحائرة، وتخرج في كلية الطب سنة 1952م، لكنه توقف عن ممارسة المهنة ليتفرغ للكتابة سنة 1960م، وكما ذكر عبد الكريم غلاب في ذلك اللقاء كما سلف فقد كانت کتاباته على بساطتها عميقة وصافية ورائقة، فكلماته تنسال لنفوسنا ببساطة ووداعة حتى تتغلل في وجداننا ومن ثم إلى عقولنا بلا شعارات رنانة أو تعسف.. إلى أن قال وذكر الشرف الأكبر هو شرف الكلمة.. شرف العمل والمسؤولية..
وتدخلت في ذلك اليوم بدار الفكر آنداك لأذكر غلاب بما أشار إليه في مذكراته المذكورة عن كتاب مصطفی محمود الذي كان قد صدر حديثاً آنداك، وقدرت کتاباته ومذكراته في كل أسبوع وهو ينشرها بجريدته الوطنية (العلم) الغراء، وفي تلك اللحظة فاجأنا غلاب عن هذا والكل بدأ يحملق من الحاضرین وهو يقول بصوت جوھري ومرتفع بحماس كبير الشاعر العربي الكبير سيتدخل وهو حاضر معنا في هذا اللقاء الهام الذي عمل بالمجال الثقافي وغیرہ بالسفارة العراقية بإسبانيا، وتدخل هذا الشاعر العربي الكبير وهو المرحوم برحمة الله الواسعة عبد الوهاب البياتي بآراء جدَّابة ومتميزة وغيورة كعادته، وهو له بشرة خمرية وعينان ذكيتان وهدوء يشي بالثورة الداخلية الدائمة. وتواضع كله حب وتعاطف.. ذلكم هو الشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي والذي ذکر عنه هذا الدكتور الجلیل والأديب الأريب محمد برادة في حوار شيق معه بمجلة “أقلام” المغربية بالعدد 6 في شهر نونبر 1964م.
وفي سؤال طرحه عليه هذا الدكتور خلال هذا الحوار أجاب: أستطيع أن أقول إن العراق كان منذ أقدم العصور – وليس ذلك من قبيل التعصب – مهد الحضارات والحرکات الفكرية والثورية. ولقد تجلت مظاهر هذه الثورات والحركات الفكرية وأينعت بعد الإسلام بشكل واضح وقوي. ولا حاجة لأن نعود إلى التاريخ لاستقرائه.. الخ…
هذا المفكر الذي استحضر فكره وقامته العربية وإيمانه العلمي بالقدرة الإلهية والدلائل على ألوهيته وعظمة الخالق الأحد، ولما انتهت المحاضرة وكنا خارجين قرب دار الفكر خرج الشاعر الكبير العربي ومعه الدكتور الجليل محمد برادة الذي ندعو الله له بالصحة والعافية وطول العمر رفقة الأستاذ والإعلامي كاتب فرع الاتحاد المركزي آنذاك وأبو خزار وكنت قريبا منهم وطالبت من هذا الشاعر العربي الكبير أن يكتب لي في مذكرتي التي قدمتها له، كلمة فقال لي أحدهما حتى يقوم هذا الشاعر بلقاء شعري مرة أخرى، واطلب منه هذا، فما كان من الشاعر المذكور إلى أن كتب لي بمذكرتي المذكورة هذا البيت الشعري:
کنت وحیداً یا حبيبتي ** كقطرة المطر كقطرة المطر
وفي أمسية أخرى بدار الفكر هاته، لما کانت محاضرة كبيرة وقيمة عن اللغة العربية والدفاع المستميت عنها من طرف الفيلسوف والمفكر والدكتور الجلیل السید المحترم نجیب بلدي، وكان يسير هذا اللقاء المرحوم عبد الكريم غلاب رئیس اتحاد كتاب المغرب آنذاك، ولما انتهى المحاضر هذا من لقائه، كان تدخلي الأول ككثير من التدخلات لي في محاضرات وندوات أخرى حضرتھا بھذه الدار، ونبھت ھذا الدكتور الجلیل بأنه لم یذکر الشاعر التركي الكبير والمناضل الفذ الذي عرف السجون السياسية في بلاده، وکان يدافع عن المجتمع دفاعاً مستميتا وعن اللغة العربية كثيرا جدا ناظم حكمت الذي ولد في يناير 1902 وتوفي في شهر يونيو 1963 رحمة الله عليه، فراقه كثيرا بتواضعه الجم هاته الملاحظة، وقال لي بعد أن شكرني لقد نبهتني لهذه الملاحظة الهامة، وكان قد قرأ عنه هذا في کتاب: الاستعمار اللغوي باللغة الإنجليزية، وكنت قد قرأته بدوري في الخزانة العامة بالرباط آنذاك باللغة العربية وهو الصادر من مصر الحبيبة كما أتذكر، وغير ذلك من اللقاءات والندوات والأمسيات الشعرية التي كان يسيرها ذ. الجليل والحكيم عبد الكريم غلاب، كندوة عن التعليم، وكيف يجب أن يكون بالمغرب وطموحات اتحاد كتاب المغرب ونقابة التعليم العالي بالمغرب التي شاركت فيها في شهر يناير أوائل السبعينيات الماضية، والتي شارك فيها العديد من المثقفين والزعماء وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي ودكاترة جامعيين ومسؤولين من الطلبة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد العام للطلبة آنذاك، وکان رئيس لجنة اللغة العربية في التعليم آنذاك عميد الأدب المغربي الدكتور الجليل والمحترم عباس الجراري مستشار جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه، وخلد في الصالحات ذکراہ، ومن تدخلاتي في هذا اللقاء التي أشار إليَّ المرحوم غلاب بالنظر فقط في من بعيد بدون کلام كذلك لأن أتدخل، وبدفاعي المستميت عن مادة الرياضيات والهندسة للعمل على الدراسة بهما ببلادنا باللغة العربية لھاتین المادتين ليستوعبها التلاميذ ويتفهمونها أكثر بلغتنا اللغة العربية الخالدة إذا درسوها بھا، وذ. غلاب كعادته كان پسیر هاته الندوة باقتدار كبير وحنكة والتي دامت 3 أيام، ومناظرة أخرى وكبرى التي دامت یومین بدار الفكر كذلك للزعيمين علال الفاسي وعبد الواحد الراضي كانت في أواخر الستينيات، وكان لها الأثر لدى جميع الحاضرین… الخ..
لكن مواقف خاصة هي التي رسمت الصورة التي ستبقى لهذا الرجل في ذاكرتي ووجداني وفكري راسخة، لأنه كان نموذجا حيا وحقيقيا للمثقف العضوي كما قال المفكر غرامشي الملتزم بقضايا الوطن والعروبة والفكر النير… وهذا الإسم سيبقى وسيظل موسوما لفترات مديدة في الذاكرة الوطنية والثقافية والسياسية، حيث كان كاتباً أنيقاً روائياً مبدعاً، وهو الشاهد الأمين على أكثر العصور صراعا وتوترا و نضالا من تاريخ المغرب الحديث، لأنه عاش حياة حافلة بالكفاح السياسي والثقافي والفكري، منذ أن غادر المغرب سنة 1937 وتوجه إلى مصر العزيزة للدراسة بها، ثم للعمل الوطني من أرض الكنانة هاته، حيث كان من المؤسسين الأوائل لمؤتمر المغرب العربي، ثم بعده لمكتب المغرب العربي المنبثق عن المؤتمر ثم للجنة تحرير المغرب العربي التي ترأسها الزعيم الكبيرة محمد بن عبد الكريم الخطابي تلك السنة الهامة والفاصلة من تاريخ المغرب 1947 بعد تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1945، حيث كان هذا المناضل الوطني غلاب المدافع الكبير عن استقلال المغرب في أرض مصر الحبيبة وبقي هكذا إلى أن عاد الى المغرب في أواخر سنة 1949م، وواصل العمل الوطني باقتدار ونباهة نادرة خلال مجلة (رسالة المغرب) الثقافية والفكرية التي أسسها بحنكة كبيرة وفكر متنور…
الفقيد الأستاذ عبد الكريم غلاب فهو قامة استثنائية تمثل جیلا ساهم في الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وساهم أيضاً في استكمال مهام التحرير الوطني من خلال نضال ممتد من أجل بناء الدولة الديمقراطية، وعبر هذا المسار الطويل زاوج الراحل بين العمل والفعل الثقافي فكان نموذجا للمثقف العضوي کما يذكر غرامشی…
لأن عبد الكريم غلاب كان سياسياً وأديبا وصحافياً ومؤرخاً ونجح نجاحا کبیرا في أن تتعايش بداخله هذه الشخصيات، إذ كان سياسيا بصرامة المثقف ومثقفاً بواقعية السياسي، إذ لم توقفه مهامه الرسمية سواء في الحكومة أو البرلمان أو الحزب، عن المواظبة على الكتابة والإبداع الجيد كما كان محاميا كبيرا للشعب من خلال عموده اليومي بجريدة “العلم” الوطنية (مع الشعب) على الصفحة الأولى من هذه الجريدة وهي توثق لمراحل مهمة من تاریخ بلادنا السياسي والاجتماعي لأن موافقة كانت تعكس حالة بلادنا السياسية.
وفي فترته استقطبت جريدته أقلاما من تیارات فكرية وإيديولوجية مختلفة في وقت كانت “العلم” هي المتنفس، وهي الوسيلة الإعلامية غير الرسمية الأكثر تأثيرا مع جريدة (المحرر) ومع عدد من المجلات التي أصدرتها شخصيات من “اليسار” الجديد خلال السبعينيات والثمانينيات الماضة کمجلة “أقلام” المغربية التي كان مدیرھا ذ. الجليل أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية عبد الرحمان بن عمرو ومعه في هيئة التحریر كل من أحمد السطاتی ومحمد ابراهيم بو علو والأستاذ الدکتور الجلیل المرحوم بالرحمات الواسعة محمد عابد الجابري وغيرهم من الأساتذة والأدباء.
لذلك سيبقى غلاب يمثل خسارة للوطن كله بكل التيارات التي تخترقه، وسيبقي حيا على ما خلفه من رصيد معرفي وفكري، ومن كتاباته المجددة والتي تشهد على ذلك وتجعل الأجيال القادمة من الاطلاع ومعرفة صفحات مهمة من تاريخ وطننا الغالي وعن كل ما ذكر أشير إلى أنه لقد عاش بین سنة 1919-2017م كلها عمل وفكر وإبداع ونشاطات ثقافية وإبداعية أساسية له في حياته العملية والإبداعية الخلاقة والمتوثبة في السير قدما إلى الأمام إلى الأمام بحب ونشاط ونضال وطني جاد ومستنير ومستميت، والهادف إلى الأفضل لأنه مثفقا وإنساناً ملتزما بقضايا العدالة والحرية والتقدم والديمقراطية، مع سمة کتاباته الصحفية والتي تتمثل في الالتزام بالموضوعية، وهو إذن مجاهد خالد ومن رواد الثقافة الوطنية العربية المتنورة… والمتميزة والتي ستظل طول العمر نبراسا منيرا وهادفة إلى الأفضل لكل الأجيال في وطننا الغالي والسامي، وفي الوطن العربي والإسلامي كافة، ولكل إنسان أينما حل وارتحل…
وبإجماع الكل على أن الأستاذ غلاب مثقف ملتزم اهتم بقضايا عديدة وأهمها الحرية والتقدم المنشود والديمقراطية الخلاقة والضرورية للمجتمعات والحياة السامية، وهو الوطني الجاد والهادف إلى التغيير للأفضل والملتزم بقضايا الوطن والعروبة والإسلام والإنسان كيفما كان، وكما قال عنه الأستاذ الجليل والناقد الكبير والمتميز نجيب العوفي ((هو مفرد بصيغة الجمع)) لأنه مؤثر في أكثر من حقل ومن ميدان وفي مجالات عديدة بأسلوب وفكر متقدم ومتمكن ومعین جداب….
ولابد أن أعرب إلى كافة ذويه ومحبيه وأسرته الصغيرة والكبيرة بالمغرب العتيد عن أحر التعازي وصادق المواساة في هذا الرزء الفادح، وأرجو من الله العلي القدير أن يعوضهم عن فقدانه بجميل الصبر وحسن العزاء.
وأختم هذه الارتسامات والمذكرات بكل اختصار بما جاء في البرقية الملكية السامية لتعزيته من صاحب الجلالة والمهابة محمد السادس أعز الله أمره وخلد في الصالحات ذكراه، والتي بقيت راسخة في فكري وضميري وجوارحي لما لها من معنى سامي سيظل في الأعماق وهي كالتالي لا تنسى في معانيها العديدة والكبيرة وتأثيرها البالغ علينا كمثقفين عضويين ومحبين لهذا الكاتب الكبير المرحوم، وهي للتاريخ الحديث علامة من علامات التقدير الكبير والمعنى العميق الذي عبر عن فقدنا له.
وما نشعر به كأمة تشيد به وبأمثاله في تاريخنا الحديث وهي كالتالي: أرددها في هذه الذكرى السنوية لوفاته: “لقد فقد المغرب برحيله أحد رجالاته الكبار ومثالا للوطني الغيور، تشبتا بمقدساته ووفاء لملكه، ونضالا عن وحدته وسيادته، وغيرة صادقة على قيمه الوطنية التي لا تقبل المساومة، وذلك على امتداد عهد النضال والتحرير، بقيادة جدنا المقدس، جلالة الملك محمد الخامس، أو على امتداد عهد الاستقلال وبناء المغرب الحديث، بقيادة والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراهما وأكرم مثواهما، فكان رحمه الله قدوة للمواطن المغربي المسؤول، الذي وظف قلمه وأدبه لخدمة القيم الوطنية الثابتة، والمبادئ الكونية السامية، في شجاعة رأي وصدق في الأقوال والأعمال”.
إذ كانت هاته التعزية المؤثرة والبليغة جامعة شاملة لمعاني كبيرة وكثيرة يشعر بها كل مثقف وصاحب قلم جريء وغيره، ومعبرة کل التعبير عن خوالج وجوارح كل مواطن مواطن، وخاصة المثقفين الوطنيين الخلص، وكل حملة الأقلام ذات الإشعاع المحلي والعربي والإسلامي والإنساني أينما كان….
– القصر الكبير: في شهر رمضان المبارك لسنة 1443هـ.