ذ : إدريس حيدر
سكنه حزن عميق لمدة ليست بالقصيرة ، و حاول جاهدا الخروج من تلك الوضعية الصعبة ، و ذلك بإقناع نفسه على أنه أمر واقع و يجب التكيف معه.
و هكذا وضع لنفسه برنامجا محفزا، تتخلله حصص للرياضة و العمل الجمعوي و السياسي و الاهتمام بالأسرة و تلبية احتياجاتها و مطالبها .
وليلة تسلمه لقرار الوزارة بإحالته على التقاعد ،لم يذق طعم النوم .
التحق بالمؤسسة التي كان يعمل بها في ساعة مبكرة ،و كان ذلك دليل آخر على وضعيته النفسية السيئة و على ارتباكه الكبير.
تسلم قراره ،و ودع زملاءه . كان منفعلا و يبتسم للجميع ببلاهة و شرود.
بعد أيام معدودات أقيم له حفل تكريم ، الذي ظل طيله صامتا و تعلو محياه مسحة حزن عميقة .
و عندما تناول الكلمة ،ارتبك في البداية إلى درجة لم يعد معها يستطيع قراءة النص الذي حرره بنفسه لتلك المناسبة .
و عندما اقتربت نهاية الحفل، انهارت الدموع من عينيه على خده ،و شعر و كأنه مات و أن ذاك الحفل كان بمثابة مأتم له أو لحظة تلقي العزاء فيه .
عاد إلى بيته حزينا و انزوى في أحد أركانه ، رافضا تبادل الحديث مع أفراد عائلته.
كانوا جميعا يشعرون بمعاناته ، و يساعدونه على تجاوزها.
و في إحدى الصباحات استيقظ باكرا ،و خرج من منزله قاصدا مسارا خاصا من أجل ممارسة حصته الأولى من الرياضة ، ثم بعد ذلك حاول العودة إلى نشاطاته الكثيرة و المكثفة و التي تعود على القيام بها لدرجة انها أصبحت جزء من حياته و كيانه .
و اعتقد لفترة انت تغلب و تجاوز الوضع الجديد البغيض و المقيت ،إلا أنه شعر بأنه و رغم أنشطته المتعددة ،إلا أن كثيرا من الوقت يفضل له ، لم يكن قد وجد له سبيلا للتدبير الجيد و المعقلن.
هذا الزمن الضائع و الفائض جعله يحشر أنفه في بعض جزئيات شؤون المنزل ،مما جعل أفراد عائلته يضيقون
منه ذرعا .
و احس كذلك أن آراءه في المجاميع و المنتديات و اللقاءات الثقافية و السياسية ،لم تعد ذات وقع و أهمية بل لم يعد يلقى نفس الاهتمام كما السابق.
و تساءل مع نفسه : ” هل للتقاعد علاقة بسلوك عدم الاهتمام للغير اتجاهه ؟” .
يتبع…