كُتاب أنجبتهم القراءة

5 مارس 2022

بقلم : عبد القادر الغزاوي

هم نخبة من المثقفين أنجبتهم القراءة ، منهم من سطع نجمه الثقافي في سماء الفكر، ومنهم من تلألأ نوره في ظلمة الثقافة . انقطعوا عن التعليم النظامي ، هذا الانقطاع سواء كان بمحض إرادتهم أو بدافع خارج عن رغبتهم ، كان حافزا لهم في متابعة التحصيل الثقافي العصامي ، بعيدا عن حجرات الدراسة النظامية ، بالإرادة والعزيمة ، فتألقوا وذاع صيتهم في دنيا الأدب والفكر ، ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) . سورة البقرة . الآية رقم 216 .

بدأوا يدرسون ويطالعون ويتعلمون ، اعتمادا على أنفسهم بأنفسهم ، حيث نذروا طوال حياتهم أرواحهم للقراءة والكتابة في مختلف المجالات ، قضوا الأيام والليالي في ممارسة حقهم الطبيعي في التعليم الذاتي ، والتحصيل الفكري والثقافي قراءة وحفظا ، بكل إرادة وعزيمة في عصامية نادرة ، وبكل جهد وكد ، كما يقول الشافعي :

بِقَدرِ الكدِّ تُكتَسَبُ المَعالـــــي ×× وَمَن طَلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالـي
وَمَن رامَ العُلا مِن غَيرِ كَــــدٍ ×× أضاعَ العُمرَ في طَلَبِ المُحـالِ
تَرومُ العِزَّ ثم تَنامُ لَيـــــــــــلًا ×× يَغوصُ البحر من طلبِ اللآلي

رغم أنهم لم ينالوا حظهم الوافر من التعليم المدرسي ، تمسكوا بالعصامية في التثقيف الذاتي ، حيث أن عصاميتهم علمتهم وكونتهم تكوينا شاملا ومتنوعا ، فحققوا ما كانوا يصبون إليه ، ألا وهو التعليم بالقراءة والكتابة ، وحصلوا على ثقافة واسعة واطلاع كبير ، وأصبحوا على عروش قبيلة الحَرف والكلمة أمراء ، كل في مجال اختصاصه ، سواء كان منظوما أو منثورا ، بما خلفوه من إنتاج فكري رائد وإنتاج ثقافي غزير ، في شكل كتب وتأليف ودراسات ومقالات خالدة ، على صفحات المنابر الصحفية اليوميات والأسبوعيات والشهريات ، حيث كان لهم مخرجا من الانقطاع عن الدراسة النظامية ، فنقشوا أسماءهم بماء الذهب في سجلات عالم الفكر والمعرفة كأقلام في القمة ، وأمسوا من ألمع الكواكب الأدبية ، مما لم يتأتى لبعض خريجي المدارس والمعاهد والجامعات ، وهل يستوي الذين ينتجون والذين لا ينتجون ، فالإنتاج الفكري الجيد والخالد هو المعيار الأدبي لتكوين الإنسان ، سواء كان عصاميا أو متمدرسا .
إن العصامية من علم ربي ، يؤتيها لمن يشاء ، ويمنحها لمن يريد ، ممن تمسك بالاجتهاد المتواصل ، والعمل الدؤوب ، والاعتماد على نفسه ، والصبر والمثابرة ، والاستمرار في التعلم وطلب العلم ، طبقا لبرنامج يعده بنفسه لنفسه ، بدون كلل أو ملل ، وكما جاء في الحديث الشريف : ( اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ) . وأن صناعة الكتابة لا تتحقق بالاعتماد على الغير، وإنما لما يبديه المرء من استعداد ذاتي ، وطموح شخصي .
وأستحضر من هؤلاء الأدباء الذين برعوا في الفكر الجيد من النثر والشعر، ورفعوا راية المعرفة والفكر ، الآتية أسماؤهم :

مصطف صادق الرافعي . ( 1871 – 1932 م ) كاتب مصري . حاصل على الشهادة الابتدائية . أصيب بعاهة دائمة ألا وهي عاهة فقدان السمع . عمل في الصحافة والكتابة ، أصبح من عمالقة الأدب العربي . أصدر مجموعة من الكتب القيمة والمفيدة ، منها : كتاب تحت راية القرآن ، كتاب تاريخ آداب العربية ، كتاب إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، كتاب وحي القلم ، كتاب على السفود وديوان الرافعي . وغيرها من الكتب الذائعة الصيت .
عباس محمود العقاد . ( 1889- 1964 م ) . كاتب مصري . حاصل على الشهادة الابتدائية . أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمان شكري ” مدرسة الديوان ” . اشتغل بوظائف كثيرة منها التلغراف ، السكك الحديدية ، والأوقاف ، عمل بمصنع للحرير في مدينة دمياط ، والتحق بعمل كتابي بمحافظة قنا ومحافظة الشرقية . عمل بالصحافة ، وشارك في إصدار جريدة الدستور ، كان يكتب وينشر بعدة مجلات ، منها مجلة الفصول ، وله عدة معارك أدبية مع مجموعة من الأدباء ، حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب ، والدكتورة الفخرية من جامعة القاهرة ، إلا أنه رفضهما . أصدر مجموعة من الكتب القيمة والدواوين الشعرية ، منها العبقريات ( محمد ، عمر ، الصديق ، الإمام وخالد … ) ، كتاب الله ، كتاب ساعات بين الكتب ، كتاب بين الكتب والناس ، رواية سارة وكتاب ابن الرومي حياته من شعره . وغيرها .
محمد الرايسي . ( 1948- 1997 م ) . كاتب وباحث موسيقي مغربي. انقطع عن الدراسة خلال مرحلة التعليم الابتدائي . واتجه نحو التعليم الفني ، فدرس الموسيق بالمعهد الموسيقي بالرباط ، وبعد تخرجه حصوله على شهادة التخرج ، تقلد منصب رآسة مكتب الموسيقى والامتحانات بوزارة الشؤون الثقافية ،و زاول مهنة التدريس الموسيقي بمعاهد الموسيقى بالمدن التالية: فاس ، ومكناس ، الرباط ، القصر الكبير، وطنجة . وكان يتقلد مهمة التعليم الموسيقي ومسؤولية التسيير في وقت واحد. شارك في عدة ملتقيات وأنشطة ثقافية وموسيقية داخل المغرب وخارجه ، نشر مجموعة من الدراسات والمقالات بمختلف الصحف الوطنية والعربية ، كان عضوا في عدة جمعيات وأندية ثقافية وفنية .
محمد شكري ( 1935 – 2003 م ) . كاتب وروائي مغربي . المستوى الدراسي الشهادة الابتدائية . مارس مهنة التعليم . وهو لا يحتاج إلى تعريف ، فهو أعرف من كل معرف بين الأدباء والمثقفين ، وذائع الصيت في العالم العربي والعالم الغربي ، وصاحب مجموعة من الإنتاجات الأدبية والفكرية ، وهي تشهد له بذلك ، منها : الخبز الحافي والسوق الداخلي والخيمة ومجنون الورد وزمن الأخطاء وغيرها . وقد ترجمت بعض رواياته إلى لغات أجنبية .
حسن بيريش . كاتب وصحافي مغربي . المستوى الدراسي التعليم الابتدائي . غدا بعزمه وإرادته وعصاميته النادرة أديبا وكاتبا وصحفيا مقتدرا في شتى المجالات الفكرية والثقافية ، ناهيك عن إنتاج وإصدار مجموعة من الكتب ، ما يزيد عن عشرين كتابا ، والمقالات المتنوعة ، والموضوعات العديدة ، وإجراء الحوارات واللقاءات المختلفة الموضوعات ، التي نشرها في الصحف والمجلات المغربية والعربية ، وكذا بعض المواقع الإلكترونية ، بالإضافة إلى المشاركات الثقافية في مختلف المحافل الفكرية والملتقيات الثقافية ، إضافة إلى المجال الصحفي الذي برع فيه ، فحصل على عضوية النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، وعضوية المجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب ، وأصبح له مكان بين محترفي الحرف وصانعي الكلمة بكل جدارة واستحقاق . ونقش إسمه في عالم كتابة البورتريهات ، فصار من أشهر كتابها .
عبد السلام التميمي . شاعر مغربي . التعليم الابتدائي . ينتمي إلى طبقة شعراء النثر أو قصيدة النثر، فجعلته يتحرر من القيود العروضية ، حيث برع في هذا الجنس الأدبي ، وأبدع فيه أيما إبداع ، بكل عفوية وتلقائية ، فتألق في سمائه ، وأجاد فيه ، فهو شاعر لما يكتب ، وشاعر بما يكتب ، وأصبح له حضور في ساحة الشعر المنثور . رغم وفرة قصائده المنشورة بمجموعة من الصحف الوطنية، وغير المنشورة ، والتي يربو عددها على المائتين قصيدة وخاطرة ، فهو لم يعمل على تجميعها ونشرها في ديوان أو دواوين ، حيث يبقى سبب ذلك من علمه وعلم ربة شعره وملهمته .
حنا مينه . ولد سنة 1936 م ، التعليم الابتدائي ، روائي سوري، امتهن في بداية حياته مهنة الحلاقة ، ومصلح دراجات ، وعاملا بالصيدلية ، وحمّالا في ميناء اللاذقية بسورية ، وبحارا على السفن والمراكب . عمل في الصحافة والأدب . ويعد من كبار كتاب الرواية العربية ، ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين ، واتحاد الكتاب العرب . له مجموعة من الروايات ذات الشهرة والانتشار ، منها : المصابيح الزرق ، الشراع والعاصفة ، نهاية رجل شجاع ، الثلج يأتي من النافذة ، الشمس في يوم غائم وامرأة تجهل أنها امرأة وغيرها .
من خلال قراءة حياة هؤلاء المفكرين ، وطريقة تعلمهم وتكوينهم ، وما أنتجوه على الصعيد الفكري والأدبي ، من كتابات خالدة ، وتآليف متنوعة ، والمكانة الفكرية التي وصلوا إليها ، كل في مجال اختصاصه ، تجلى لنا أن كل شيء يهون أمام الاعتماد على النفس ، والجد والاجتهاد ، والسعي إلى تحقيق المطالب والرغبات ، وتخطي الصعاب والعقبات ، دون اللجوء إلى التمني والمطالب والانتظار والاعتماد على الغير ، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي :
وما نيل المطالب بالتمنـــــي ×× ولكن تِؤخذ الدنيا غلابـــا
وما استعصى على قوم منال ×× إذا الإقدام كان لهم ركابـا .

هؤلاء الذين ذكرتهم سالفا هم عينة من المفكرين والأدباء والشعراء والروائيين والصحفيين والموسيقيين ، الذين تم اختياري لهم من الذين أنجبتهم القراءة والكتابة والتعليم العصامي ، وهم كثر يضيق المقام بذكر أمثالهم من الذين بلغوا درجة عالية في الفكر والثقافة ، وأصبحوا نموذجا ونبراسا في التعليم العصامي ، والتحصيل الدراسي ، والإبداع الفكري . ونستخلص من ذلك أن المرء مسئول عن نفسه في التعليم والعمل بعصامية قوية ، والتثقيف الذاتي ، والتحصيل الشخصي ، بالجد والكد والاجتهاد ، والاعتماد على النفس ، والتسلح بالقراءة والكتابة ، وبالحبر والقلم وما يسطرون ، والتحلي بالإرادة والطموح والعزيمة ، فإنه ( على قدر العزم تأتي العزائم ) ، كما يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي :
على قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ ×× وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكـــــارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها ×× وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِـــمُ

تلك هي العصامية الناجحة والمفيدة ، وللعصامية في أولادها درجات .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading