إدريس حيدر
يقينا أن شعبا يمارس الإقصاء ،العنف ، الاستصغار و الإهانة في حق المرأة، لن يشهد أبدا نور التقدم و التحضر و الرقي .
في الأسبوع المنصرم ،كنت شاهدا كمحامي على قضية تتعلق بعنف شديد في حق المرأة و لكن بصيغة أخرى.
الأمر يتعلق بمشتكية زعمت أن اباها توفي منذ مدة ليست بالقصيرة ، و أن إخوتها الذكور تقاسموا أرضا سلالية ورثوها عن ابيهم و حرموا أخواتهم بدعوى أن المرأة لا ترث في الأراضي السلالية .
و مع مرور الوقت عَلِمَتْ أن هذا التصرف مناف للقانون ، و أدركت أنها بمعية أخواتها النساء لهن كما لإخوتهم الذكور نفس الحقوق في تركة أبيهم.
فطالبت إخوتها بإعادة القسمة و تمكينها و أخواتها بنصيبهن في إرث أبيهن .
رفض الإخوة بدعوى أن القسمة تمت منذ مدة طويلة و حاز كل واحد حقه و من غير الممكن و الحالة هذه إعادة تلك القسمة .
صاحت المشتكية مستنجدة بنائب الجماعة و أفرادها لمساعدتها في تحقيق مبتغاها ،إلا أن أحد إخوتها اعتدى عليها بالسب و الشتم و الضرب .
حضرت إذن في جلسة المحكمة في مواجهة أخيها المعتدي، و حكت حكايتها المؤلمة بتفصيل ، و التي مفادها أنها كانت ضحية اعتداء من طرف أخيها المشتكى به فقط لأنها طالبت بحقها .
و عندما سُئِل الاخ المعتدي عن الأفعال المشينة الصادرة عنه اتجاه أخته ،رفع صوته عاليا مؤكدا أنها تستحق ذاك الجزاء ،لأنها لم تحترمه باعتباره أخيها الأكبر منها ، و انها سبته و بالتالي عاقبها، مضيفا أنه لن يعيد القسمة كما تريد ،لأنه عرف نهج عليه الأباء و الأجداد.
لم يلق كلامه استحسانا من طرف الحاضرين في قاعة الجلسات بالمحكمة ، بل لقي من الجمهور كل الاستهجان، الاحتقار و الإهانة .
حُجِز الملف للتأمل قصد إصدار الحكم من طرف قاضي الجلسة .
خرج المشتكى به ( الاخ المعتدي ) من القاعة و هو يَهْذي و يهمهم :
” لم يعد ” المخزن” كما عهدته ، فلو ظل كما أعرفه، لأُلقي القبض على المشتكية !!! – بالرغم من كونها ضحية – لكونها تجرأت ضدا على التقاليد و طالبت بإلغاء عُرف امتد لسنوات كثيرة ، يقضي بتوريث الرجال دون النساء ، ثم لكون المرأة لم تعد تحترم إخواتها بل و ها هي تسوقه أمام المحكمة مهدد بعقوبة سجنية “.
و فجأة رفع صوته عاليا و كأنه أصيب باضطراب عقلي :
” أنا ضحية مؤامرة و تواطؤ بين أختي و ” المخزن ” ،حسبي الله و نعم الوكيل ”
واعادها و رددها بصوت عال أكثر من مرة :
” حسبي الله و نعم الوكيل “!!!