عبد الجواد وإضرابات التلاميذ سنة 1973 (1)

5 يناير 2022

عبد المجيد بوزيان :

كان اهتمام عبد الجواد بالانقلاب العسكري الفاشل بالمغرب سنة 1972 بمتابة نقطة تحول في حياته، تحول من مراهق لا يفقه شيئا في السياسة ولا يهتم بها إطلاقا، إلى مراهق له رغبة جامحة لمعرفة الاحداث السياسية في البلاد، وهو ما دفعه لقراءة الجرائد الوطنية وبعض المجلات المستعملة لتثقيف نفسه سياسيا، ومن أهم هذه الصحف والمجلات جريدة المحرر ومجلة العربي، والتي كانت تباع بأثمنة زهيدة على الأرصفة أو في مكتبات متخصصة في بيع الكتب والمجلات المستعملة، فهذه المجلات ساهمت كثيرا في توعية الشباب المغربي سياسيا وثقافيا، وبفضلها اكتسب عبد الجواد هو الآخر معارف سياسية جد متواضعة، جعلته يشارك في الاضرابات التلاميذية لسنة 1973 باندفاع كبير وبحماس زائد عن اللزوم، الإضرابات التي كانت تؤطرها ودادية التلاميذ وهي تنظيم نقابي وظيفته الدفاع عن حقوق التلاميذ، فقد كانت ترفع في هذه الاضرابات شعارات تطالب بحق التلميذ في التعليم الجيد، وبالتراجع عن إصلاح نظام الباكالوريا لأنه كان يرمي إلى تعزيز حاجز ولوج الجامعة، كما كانت تنظم حلقيات تناقش فيها مطالب عموم التلاميذ وكذلك بعض الأحداث السياسية التي كان يعيشها المجتمع السياسي في المغرب والتي اتسمت بقمع التيارات الماركسية اللينينية واليسارية عموما، فكانت ساحة الثانوية المحمدي بالقصر الكبير مثلها مثل العديد من الثانويات على المستوى الوطني فضاء لتنفيذ البرامج النضالية التي تسطرها وداديات التلاميذ.
خلال أيام الإضراب الأولى كان الطاقم الإداري للثانوية المحمدي يستخدم كل الأساليب لإيقاف هذه الاضرابات، لكنه فشل في ذلك، وهو ما يثبت قوة التنظيم النقابي التلاميذي الذي كانت تقوده نخبة من تلاميذ الأقسام العليا، فهم الذين استطاعوا إقناع الأغلبية بالاستمرار في الإضراب والالتزام بالنضال السلمي دون المس بتجهيزات الثانوية، والاعتصام داخل حرمها طيلة أوقات الدراسة. لم يكن عبد الجواد يتدخل بمداخلة أو يدلي برأيه حول ما كان يناقش في الحلقيات، بل كان فقط يصغي إلى مداخلات التلاميذ المتمرسين في النضال والنقاش السياسي، لأن تجربته هذه كانت هي الأولى في النضال والدفاع عن الحقوق، ولأنه كان يفتقد للخطاب الحقوقي والسياسي، لكنه كان متحمسا ومندفعا بقوة في ترديد الشعارات. استمرت محاولات الإدارة لإيقاف الإضراب لكن دون جدوى، فكان من الضروري أن تتدخل أعلى سلطة محليا في شخص باشا المدينة، وهو الأخر لم ينجح في ذلك، واستمرت الاضرابات والاعتصامات بمشاركة ما يفوق 80% من التلاميذ، لذلك لم تتردد هذه السلطة في إعطاء أوامرها من أجل فك الاعتصام، وهو ما حصل بعد التدخل العنيف للأجهزة الأمنية، فلم يجد معه التلاميذ المعتصمون بدا من الفرار عبر أسوار الثانوية، وقد خلف هذا التدخل الأمني العنيف جرحى ومصابين في صفوف المعتصمين وخصوصا الفتيات منهم، وبهذا الأسلوب القمعي تم فك الاعتصام واعتقال الأعضاء النشيطين في الودادية، وفي اليوم الموالي التحق المضربون بمعتصمهم الجديد وهو زيتون سيدي عيسى بن قاسم جوار الملجأ الخيري للمدينة بدل ساحة الثانوية، وهناك بدأ التأطير من جديد واستمر الإضراب واستمر معه ضغط السلطات المحلية، وذلك بعقد اجتماعات مع آباء وأولياء التلاميذ وتحميلهم مسؤولية عدم التحاق أبنائهم بالثانوية، وهكذا وبعد ما يفوق شهرين ونصف تقريبا من الاضرابات والاعتصامات، بدأت عودة التلاميذ إلى أقسامهم دون سابق إخبار أو اتفاق مع أعضاء التنظيم النقابي التلاميذي، هذا ما اعتقده عبد الجواد الذي لم يكن على علم بما يجري في الكواليس، فقررت الادارة سنة بيضاء دون إعلان رسمي، وقد كان ضحية هذا القرار ما يقارب 70% من التلاميذ إلا التلاميذ الذين لم يشاركوا قط في الاضرابات، أو التلاميذ الحاصلين على المراتب الأولى داخل أقسامهم، فكان عبد الجواد من بين المرسبين رغم انه كان تلميذا متميزا في الدراسة طيلة مرحلة تعليمه الإعدادي.
يتبع

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading