عبد المجيد بوزيان :
كان عبد الجواد يقضي أياما جميلة ورائعة بحي تواركة، يلتقي كل يوم بصديقته،وهي إحدى بنات العائلة، فتارة يستقر ببيت عمته زوجة الحاج محمد مؤنس الملك،وتارة أخرى ببيت عمته زوجة الحاج أحمد الذي هو أخ للحاج محمد، وكلاهما يشتغلان بالقصر الملكي أو كما يقولون بدار المخزن. وفي مساء منتصف شهر غشت من سنة 1972 وقبل أن يرخي الليل ستاره، بدا سكان تواركة في حيرة من أمرهم، فقد كانوا يترقبون أخبارا عن محاولة الانقلاب التي قام بها الجيش ضد الملك الحسن الثاني، وما يتوفرون عليه من معلومات غير كاف للإطمئنان على مصير الملك، خصوصا بعد أن رأوا بأم العين طائرة عسكرية تطلق الرصاص بالقرب من الباب الرئيسي للقصر الملكي. إن سكان حي التواركة جميعهم يشتغلون بدار المخزن، ومهتمون كثيرا بموضوع الانقلاب، ويحاولون الاطلاع على المستجدات بين الحين والآخر، لكنهم وإلى حدود تلك اللحظة كانوا يفتقدون إلى معلومات دقيقة حول محاولة الانقلاب، وينتظرون أحد المرافقين للملك كي يخبرهم بما حصل، وقد كان زوج عمة عبد الجواد الحاج محمد أحد هؤلاء المرافقين.
دأب عبد الجواد طيلة أيام تواجده بالتواركة على زيارة عمته زوجة الحاج أحمد، وفي هذا المساء وكعادته طرق باب بيتها، ففتحته الخادمة بسرعة، ولما دخل المنزل بدا له الحاج أحمد وكأنه ينتظر وافدا هو في أمس الحاجة إليه، وبالتالي كان على غير عادته،حلو اللسان،لطيف الكلام،هادئ الطبع،ولا تغيب الابتسامة عن محياه،بل كان مضطربا وقد عقد الاضطراب لسانه، وسيطر الغضب على أقواله وأفعاله، وبدخول عبد الجواد، أمر خادمته أن تحمل حقيبتين كانتا بالقرب من الباب وأمرها بأن توصلهما الى بيت كان يملكه بمدينة سلا بحي باب الخميس، وطلب من عبد الجواد أن يصاحبها ويساعدها في إتمام هذه المهمة، وغالبا ما كانت الحقيبتان تحويان أشياء ثمينة تخصه وتخص زوجته التي كانت توصي الخادمة بعدم إغفال الحقيبتين وهي في الطريق إلى مدينة سلا، وفعلا تم ذلك كما أوصت به الحاجة، ثم عاد عبد الجواد والخادمة إلى التواركة قبل الساعة العاشرة بقليل، ليجدا الحاج أحمد مستلقيا على فراش أرضي، لكنه لم يهتم بعودتهما ولم ينطق بكلمة واحدة أوينبس ببنت شفة حتى،واكتفت زوجته عمة عبد الجواد باستفسار الخادمة عن مكان وضع الحقيبتين،فردت عليها الخادمة بتفاصيل المهمة التي كلفت بها،وانصرفت لتنام في غرفتها بالقرب من المطبخ، أما عبد الجواد فاهتم بما تبقى من برامج التلفاز، التي كانت تنتهي عند حدود الساعة الحادية عشر والنصف تقريبا، ومن حين لآخر كان ينظر إلى الحاج والحاجة فيجدهما مستيقظين على غير عادتهما،فهما لايتأخران أبدا عن النوم بعد أداء صلاة العشاء.
فجأة وبعد أن تجاوز الليل منتصفه، سمع طرق الباب بطريقة غير عادية، فقام الحاج لفتحه بنفسه، ليجد شابا أخبره بوصول أخيه الحاج محمد إلى منزله، وبسرعة فائقة انتعل الحاج أحمد بلغته وأخذ جلبابه وشرع في ارتدائه وهو ماشيا في طريقه إلى بيت أخيه الحاج محمد، ولم يعد إلا بعد آذان الفجر بساعة تقريبا، وعند عودته وبمجرد دخوله إلى البيت، طلب من عبد الجواد أن يذهب لينام في غرفته التي اعتاد النوم فيها وأن يغلق بابها، وهو ما فعله عبد الجواد في حينه، وبعد ذلك بدأ الحاج في سرد وقائع الانقلاب كما سمعها من أخيه الحاج محمد، وفي هذه الأثناء حاول عبد الجواد بفضوله وحب الاستطلاع الذي يمتلكه، أن يدنو من قفل الباب ويلصق أذنه بثقب القفل ويرهف سمعه عسى أن يتتبع هو الآخر ما يحكيه الحاج لزوجته عن الانقلاب، فطال حديثهما الذي كان وللأسف الشديد بصوت جد منخفظ، ولم يسمح لعبد الجواد أن يتعرف مضامينه بدقة، إلا أنه عرف وبصعوبة أن الطائرة التي كانت تقل الملك من فرنسا قد تعرضت أثناء دخولها للأجواء المغربية لهجوم بالرصاص دون أن يصاب الملك بأي مكروه، وبالتالي نجا من محاولة الانقلاب الفاشلة.
كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا، ولم يستطع عبد الجواد مقاومة النوم، فنام ثم استيقظ في تمام الساعة الحادية عشر، وبعد تناوله وجبة الفطور ذهب للإلتقاء بصديقته التي وجدها تنتظره قرب حلبة الفروسية بالتواركة، فتوجها معا إلى ساحة المشوار، وبالقرب من الباب الرئيسي للقصر الملكي لاحظا أن الأرض كثيرة الثقب بفعل الرصاص الذي أطلقته الطائرة العسكرية مساء أمس، لكنهما لم يعيرا أي اهتمام للحدث رغم أهميته، لأنهما شابان مراهقان لم يتجاوز عمرهما الرابعة عشر، وبالتالي لا يهتمان بالسياسة ولا يعرفان شيئا عنها، لكنهما عرفا أن الملك قد تعرض لمحاولة انقلاب فاشلة، فتركا ساحة المشوار وتوجها نحو حديقة إسايسي قرب باب الحد للاستمتاع بجماليتها وبلحظات تنسي عبد الجواد حزنه الذي حمله معه من مدينته القصر الكبير بعد أن تركته حبيبته وارتبطت بشاب ميسور الحال.
يتبع غدا