
إشراقات ثقافية
من تقديم أمينة بنونة
محمد الخمار الكنوني في الذاكرةإعداد وتنسيق الأستاذ محمد العربي العسري.
تخصص نوفوم الإخبارية الثقافية، العشرية الثالثة من شهر رمضان المبارك، لشاعر القصر الكبير، المرحوم محمد الخمار الكنوني، وذلك من خلال مختارات، مما قيل في حقه من شهادات ومرثيات، من لدن أصدقائه ومحبيه، من الكتاب والمبدعين والمؤلفين، كما قدمها كتاب (محمد الخمار الكنوني في الذاكرة)، من إعداد وتنسيق الأستاذ محمد العربي العسري.
محمد الخمار الإنسان
محمد العربي العسري
في سنة 1963 كان لقائي الأول معه، حينما تعارفنا كنا في ربيع العمر. ويعود الفضل في هذا إلى العزيز الأستاذ بوسلهام أبو بكر (المعيزي) فهو الذي قاد المودة بيننا، وشرع لنا أبوابها لتظل مشرعة إلى ما قبل وفاته بقليل. وكان الصديق بوسلهام سباقاً للتعرف عليه، حكى لي عن لقائه الأول به، وكيف أن ذلك تم في إحدى رحلات التخييم المدرسي التي كانت تنظمها إدارة التعليم إلى شواطئ تطوان وتحديداً إلى (كدية
الطيفور).
وكانت إدارة التعليم تختار من كل مدارس المنطقة مجموعة من التلاميذ ممن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة آنذاك، وعرف الراحل بين التلاميذ بـ “ابن المدير “… سألته عن صفاته في هذه المرحلة فقال لي إنه كان حييا، شبه منعزل عن المجموعة، كانت مدة
التخييم تستغرق شهراً كاملا. وكنت قبل هذا اللقاء أشاهدهما معا، أو رفقة بعض الأصدقاء في إحدى مقاهي المدينة: مقهى سيدي أحمد والتي كانت تعج بشباب المدينة، خاصة في ليالي الصيف، حينها تشتد الحرارة ويصبح ليل المدينة يغري بالتجول خصوصا عندما يعطره نسيم مسك الليل الفواح.
وأتذكر، وسط عتمات الذاكرة، تلك اللحظة التي تقابلنا فيها، جاءت عقب نجاحي في شهادة الباكالوريا حيث هنأني بالنجاح، وربما سألني عن الكلية التي أنوي
الالتحاق بها. ولا تسعفني الذاكرة في استحضار ما دار بيننا، بيد أن الذي ما زلت استحضره أنه منذ ذلك اليوم، وبفضله زالت حواجز الكلفة بيننا. وغمرني من جرائها فرح ما زالت ظلاله تغمرني إلى اليوم.
وشجعني لقاؤنا الأول على الاقتراب منه أكثر، وكنت قبله لا أجرؤ على فعل ذلك. كنت أعرفه من بعيد، وأتسقط أخباره من بعض المعارف، حيث كنت على علم انه اشتغل مذيعاً بالإذاعة الوطنية بالرباط وأنه كان يقدم برامج أدبية، وأحياناً نشرة الأخبار، وكنت على علم من أنه نشر بعض القصائد في مجلة (المشاهد) و (دعوة الحق) أنه درس بالقاهرة.
وكنت أشاهده، بقامته المشيقة في جلبابه الفضفاض ذي اللون الزيتي المفتوح وسيماء الجدية بادية على محياه، تحيط به ثلة من أصدقاء، وهو وسطهم يحدتهم فيصيخون إليه السمع، فتختلط في النفس مشاعر هي مزيج من الإعجاب والتهيب. ولم يخطر بالبال، قبل لحظة تعارفنا أننا سنغدو صديقين متلازمين، لا نكاد نفترق حتى نلتقي، وأن صداقتنا ستمتد إلى ما يقارب ثلاثة عقود.
وأستطيع أن أجزم أنه منذ ذلك اللقاء، ستنشأ بيننا صداقة وألفة، واتفاق واتساق في كثير من أمور الحياة، والتحقت في نفس السنة بكلية الآداب بالرباط، وبما
أنه لم يكن من الطلاب الذين التزموا بالعمل مع وزارة التربية الوطنية بعد التخرج، فإنه سيلتحق بفرع الكلية الموجود بمدينة فاس. وكان طلبة كلية الآداب بفاس يأتون إلى الرباط لاجتياز الاختبارات، وأذكر أنه في فترة الامتحانات كان يأتي عندي إلى الرباط فيقضي معي بضعة أيام نراجع خلالها دروس شهادة فقه اللغة.