حتى لا نحدد مستقبل أطفالنا بمحدادات خاطئة !

29 أغسطس 2021
ذ هاني البقالي

كثير من الدراسات يمكنها أن تحقق نتائج دقيقة ، مطلقة و مبهرة ، في مختلف المجالات و التي يكون أبرزها في الغالب مجال البحث العلمي الخاص بدراسة الظواهر و المستجدات … لكن ذلك لا يشمل المجال النفسي إطلاقا خاصة نقطة التحول من مرحلة الطفولة نحو مرحلة المراهقة و التي تعتبر نقطة تحول حاسمة ، و يخشى نتائجها أغلب الأشخاص … لكن الأمر قد يكون عكس ذلك تماما إن تم التقيد بشروط محددة … فالمراهقة بالأساس نتيجة و ليست بداية تحول فعلية ، فهي إستعداد لإستصدار نمادج كانت في طور النمو و التعديل خلال مراحل سابقة ، لوقائع و أحداث تم تخزينها مسبقا ، تأججت بفعل سوء تواصل و تعامل ما جعل من الأمر النقطة التي أفاضت الكأس … و إستغرب البعض بل منهم من ظل في ذهول كبير حول ذاك التحول الجدري في سلوكات و تصرفات أطفاله ، بعدما كانوا متسمين بالهدوء ، و الإستجابة لمختلف الأوامر و القرارات … و عكس ذلك فقد يأخد الأمر منحى مختلف تماما بعد زوابع و عواصف من التمرد و عدم الإنصياع ، تصبح الأمور كمر النسيم … هي حقا تراكمات لم تأخد ربما على محمل الجد ، فظلت دفينة إلى أن حان موعد بروزها .. فالطفل مشروع أيضا يرجى منه النجاح و التفوق .. فإن كنا أحيانا نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا تجاه مواقف لا نستطيع إدارتها ، فما بالنا بطفل سيصل مرحلة ، تتيه فيها أفكاره و تتشتث فيها أوراقه ، في وقت يحتاج مرشدا و دليلا يساعده على إعادة ترتيبها … فلا يجد من ذلك غير ضغط متكرر .. و غير مبرر تنتج عنه ردود فعل تكون غير مبررة بدورها……
إذن كيف للتجربة الذاتية أن تفسر ردود الأفعال لديهم؟
الطفل تركيبة تتخللها مجموعة من العناصر الذاتية و كذلك تلك الصادرة عن محيطه، بإختلاف المؤثرات التي قد تؤثر إيجابا أو سلبا؛ فالوضع يتباين حسب طبيعة التفاعل و التجاوب معه ، خاصة داخل وسطه الأسري الذي يعتبر المنشأ الأول لمكتسباته والتي يتم التعامل معها على نطاق أوسع و بشكل تدريجي.
كيف يمكن توضيح الأمر من خلال مجالي كمختص نفسي حركي.؟
طوال سنوات ممارستي في المجال النفسي الحركي، سنحت لي فرص عديدة للتعرف أكثر و عن كثب، على مختلف أساليب و أنماط الحياة التي تميز طفل عن الآخر ، لكن أهم ما في الأمر، أنه يمكن التعرف دون الحاجة إلى تواصل مباشر مع الأسر على وثيرة و طابع التواصل بينهم و بين أبناءهم ، فهؤلاء هم مرآة واضحة لطبيعة العلاقة التي تميز ، تواجدهم و تفاعلهم وسط البيئة التي نشؤوا فيها.
فنمادج كثيرة ، هي تلك التي ساهمت في تعزيز الرصيد المعرفي لدي و منحتني عنصرا هاما، وهو تعزيز قوة الحدس لدي، لمعرفة حاجيات الطفل حسب إحتياجاته، أخدا بعين الإعتبار كفاءاته الإنمائية، و قدراته الإدراكية، وبالتالي تمكنت من الحصول على سجلات، يمكن إعتبارها كافية .. للتمكن من تفسير مختلف الظواهر التي تحادي إهتمامات الأطفال ، حيث أن الأمر قد يحمل في طياته نقاطا مشتركة، بين الأطفال العالم خاصة على المستوى التواصلي بشكل خاص ،ناهيك عن الجانب المعرفي…

ما هي التصورات التي يمكن طرحها لجعل حياة الأطفال ، خاصة من ذوي الصعوبات أفضل؟
دائما في سياق التجربة الذاتية و العملية المرتبطة بالأساس بمزاولتي بمجال العلاج النفسي، حاولت إيجاد حلول تناسب تطلعات الأسر تجاه أطفالهم ، بما يضمن مساعدتهم على الأبداع و إستثمار كفاءاتهم، دون المساس بخصوصيتهم ، بل على العكس ، فالأمر يقتضي مرافقتهم و دعمهم إلى أقصى الحدود.
وفي السياق ذاته يمكن طرح إشكال واضح و هو السبيل إلى إمكانية إن يبدي الطفل رغبته تجاه مايفعل، مايدفع بإلحاح إلى طرح التساؤل التالي.
كيف يمكن للطفل أن يكون محبا لما يفعل؟
الكثير من الأطفال يبدون عدم رغبتهم في الدراسة، لكن لا يجب وضع أحكام مسبقة… فإذا قررنا الخوض في دراسة الأسباب ربما قد نفهم الأمر بشكل أوضح و أكثر شمولية…
إن من أكثر الأمور التي يصعب التعامل معها هو دماغنا بمختلف وظائفه لكون إيقاظه يحتاج الكثير من الجهد و الطاقة حتى يتسنى له العمل وفق الإطار المسموح به … فهو قد يراوغ و يتباطأ بعض الشيء في إنجاز مهامه ويميل إلى كل ما لا يتطلب مجهودا أو عناءاً للقيام به … خاصة بوجود بدائل أخرى … كوسائل التكنولوجيا التي باتت جزءاً من منظومتنا الحياتية.. لكن نحن كراشيدين من ساهم في خلق تلك الفجوة وساهم أيضا في الإستثمار في كل ما يحول دون القيام بأدنى مجهود يذكر … فلا يمكن لطفل يبلغ بضع سنوات أن تكون له سلطة مطلقة في إختيار ما يريد .. حيث كان من الممكن إلغاء جميع تلك البدائل و إستبدالها بواسائل أخرى أكثر توافقا مع إمكانيات الطفل و تحميله بعضا من المسؤوليات التي تناسب تطوره الذهني و الجسدي. كي يفهم أن عليه واجبات أيضا. و أن عليه أن يكون عنصرا فعالا داخل مجتمعه، فتنشئة الطفل مشروع يولد و تراعى فيه ظروف التنشئة السليمة ، بما فيها تحفيزه على جمع المعلومات و المعطيات الممكنة لإستثمارها لا حقا بفضل علاقة يسودها التواصل البناء ، فالطفل يمضى سنوات عدة دوره البارز فيها هو إستقبال كل ما يقدم له … و حمايته بشكل مفرط لن يشكل درعا واقيا تجاه الصدمات و العراقيل التي سيواجهها وحيدا داخل إطار أوسع ، و بالتالي يجب تهيئته ليكون محاربا. ذو مناعة نفسية تقاوم ضد تلك الصدمات … فالطفل بداية مادة خام ينتج ما يقدم إليه ، فالقمح لا يكمن أن ينتج إلا دقيقا و ليس مادة أخرى … لذلك يجب التريث في تخزين المعطيات لدى الطفل لأن هذا الأخير لا يسعه إلا أن يكون مرآة تعكس مخزون تنشئته… و الحل الأقرب هو مناقشته و التواصل معه بإعتباره أيضا عنصراً قابلا للتغيير إن توفرت الشروط الملائمة لذلك …. فإن سرنا على نهج تراعى فيه مختلف جوانبه سواء الذاتية أو الموضوعية فحثما سيحب طفلك ما يفعل.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading