مقام البوح 30 / نهاية الجزء الأول- جولة بديوان القصر ؛ فُسحة إنسانية

31 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي

التوغل بمتاهات ودروب حي الديوان بالقصر الكبير و أزقة المدينة القديمة ككل ، كان إكتشاف يومي لنا نحن الصغار .كبرنا ونحن نجوبها و نتأمل في نفس الأشياء التي كانت تثيرنا وتستوقفنا الآن أكثر . نوافذ ، أبواب، أقواس، مُسميات وعناوين الدروب التي كانت لاتليق بعضها بالمكان . كنا نتعجب من تسمية زقاق بالذبان ، وآخر بالبقرة و آخر بخنزيرة و السطل و العلوج و السمن … أهناك سر في هذا ؟ ولماذا لم تتغير ؟

الوقوف أمام الجدران الباردة التي كانت بها ( قشرات ) طبقات من الجير بالألوان ، بعدد مرات الطلاء أمر كان يستهوينا لعده مثل دوائر جدوع الأشجار بحثا عن عمرها .
أقواس المدينة متعددة و مختلفة منها قوس نصف دائري و آخر به أقواس مسننة و آخر جانبه به نتوءات . أكيد لم يكن زينة فقط . هي سحرية العمران و أسرار أخرى .
الطرقات كان بها حجر كبير و صغير و ببعض ساحاتها أو مداخلها الرحبة نجد مصفوفات ثمانية الأضلاع . متلاصقة عرفت بإسم ” المزيهري ” .
لوحات التشوير وخطها كان مثيرا .ست زليجات متوسطة الحجم بيضاء اللون مكتوب عليها إسم الزقاق بخط مغربي أنيق ولاتيني مثير . و كذا أرقام بسيطة فوق الأبواب .
نوافذ المنازل و الدور الصغيرة ، كان يستهويني شباكه المزخرف .[ كم توقفت لأرى عمليات زخرفة قضبان النوافذ بالحدادين . كان يشعلون النار بفرن داخل الدكان ويدخلون قضبان الحديد النار لتحمر و يسهل طيها و ضربها بالمطارق . جميلة طريقة شدها ببعض دون كيها ببعض بل بربطات حديدية فقط.] نوافذ المدينة القديمة مربعة و دائرية و نصف دائرية كانت جمالياتها في صغرها و كبرها حسب المساحات .
بروز الألواح الخشبية في بعض الأزقة واضح . كانت تستعمل كسرير توضع فوقه الحجارة و الرمل و إعتماده سقفا أو رفوفا لحجب الشمس و المطر أو أرضية لبناء للصابات .
سألت بعض الساكنة هناك عن أسرار هذه ” الصابات ” البنايات الفوقية المربعة الضيقة أو الطويلة ، قيل لي حسب ماسمعتو العهدة على الراوي .
” الصابات ” سكنيات أو بيوت تكون فوق هواء زقاق أو درب . بمثابة علية جانبية ( مصرية ) تضاف إلى منزل إما يمين أو شمال الدرب . بعد إتفاق مع صاحب المنزل المقابل قصد مد جسور خشبية بمثابة أرضية وسقف العلية من منزل لآخر مقابل له .كانت تُبنى لغرض شد المنازل ببعضها تخوفا من زيغ أو ميلان . وقيل أن الغرض كان أكبر من هذا أحيانا . له علاقة كبرى بثقافة التضامن الإجتماعي و التآزر و التآخي و التعاون بين الأسر المغربية بهذه الأحياء الشعبية التي كان يصعب فيها زيادة طوابق علوية ببعض منازلها . هذا التآزر الذي كان أساسه منح هذه العلية لإبن أحد الجيران و الذي يكون معيلا أو كفيلا لأسرته . من أجل الزواج به . و السكن رفقة والديه أو أسرته .
– قد يكون صحيحا هذا السرد لكنني وجدت توافقا ونفس الجواب عن سر هذا الصباتات في أماكن مختلفة –
ومن جميل المحكي المتوارث أيضا ، وما سمعت في باب التضامن الإجتماعي و التآزر .
خلال الأفراح و الأحزان و المناسبات كانت تفتح المنازل الرحبة ذات الفناءات المفتوحة أمام الجيران لإقامة مناسباتهم بها . وكذا مد الأسر بالأثات و الأواني المنزلية و إعداد كل مستلزمات الفرح أو الحزن من عجين الحلوى و الخبز و الفقاص بشكل جماعي . أو التعاون على الطبخ و الإطعام . كل هذا من أجل جعل الفرح فرحا ولاشيء غيره.
و للأبواب والأقفال سحر خاص بدء من مطرقة الطرق على الباب و أشكالها و أحجامها و منحوتاثها منها الدائري المرشوم المنقوش على حافة الدائرة . و مجسم اليد المشدودة الماسكة . واليد المفتوحة على شكل كف . وكذا رمزية العلامات التي كانت تلصق بالأبواب كالصفيحة و الخمسة ( الكف ) و الشمعدان . ما تشكله من دلالات و دلالة . وعلامات و رموز و إيحاءات كان الغرض منها أكبر من شكلها أو حجمها .
كذلك هي صوامع المساجد و الأضرحة . بالديوان صومعة رباعية مستطيلة الطول ، وأخرى ثمانية الأضلاع قيل أنها كانت لدير يهودي وأضرحة كثيرة بأسماء أولياء ووليات نساء أيضا . بقباب خضراء و نوافذ تطل على الضريح برداءه الأخضر المثير لكل ناظر .
وللأشخاص بالمدينة القديمة جمال خاص تجاعيد ووشم عريق . ولباس تقليدي أصيل .
كلما إخترت السير بين أزقة و دروب المدينة كلما أحسست أنني أزورها للمرة الأولى .
هو سحر البدايات يعيد نفسه كل زيارة مع رائحة التراب و التوابل و نظرات الشيوخ و صخب الأطفال ورائحة الخبز و دخان وحريق الأعواد بالفران و الحمام الشعبي . وصوت الأغنية المغربية أو دندنة الهجهوج بدرب كناوة . أو الضوء المبهر بين الشقوق و فراغات الصابات .
هي جولة تعيد الروح لهويتها القصرية المغربية العريقة
💐🙏💐
كلمة محبة مقامكم
[مقام البوح – محاولة كتابة – كان رحلتي وجولتي هذا الصيف لقلوبكم بمعية ذاكرتنا الجماعية الجمعية المشتركة ، بحثا عن وقت رحيم لنسافر بمحبتنا إلى فضاءات و شخوص و أمكنة وعوالم سكنتنا جميعا لصفاءها وجمالها و عنفوانها .
🌹شكرا الأستاذ المقتدر محمد كماشين على التقاسم و النشر اليومي ببوابة القصر الكبير و مجموعاتها
🌹شكرا لكم جميعا من القلب لتقبلكم هذا المقام في جزءه الأول . محبتي إليكم . ]
شكرا لكم
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب ومخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading