ذ . إدريس حيدر
كان أغلب الأطفال سعداء بالرغم من الوَقْعِ المرير للاحتياج و الحاجة و الفقر .
و لا بد من الإشارة إلى أن بعضهم تميز – رغم ظروفه الصعبة – بذكاء ثاقب تطور في المستقبل إلى ملكات فكرية متميزة .
و هنا يحضرني كذلك أطفال مشاغبين و فوضويين …الخ .
فكان ” محمد الغربي ” المكنى ب” الجن ” نظرا لرعونته و نزقيته ،نحيف الجسد ،قصير القامة و خفيف الحركة .
كان يأتي على أفعال متهورة لا تصدق ، فقد كان يلج المنازل من شقوق صغيرة و كأنه أفعى، أو يصعد الأشجار الباسقة ،ذات الأغصان الرفيعة و القابلة الانكسار من أجل قطف فاكهة أو غلة معينة أوأعشاش الطيور ، و قد ينصب كمينا أو مقلبا للغير ، أو يرمي الطباشير على المعلم من الخلف …الخ .
و الطفل ” طويهر ” ذو الأصول البدوية ،الجائع دائما ، و الذي كان همه الوحيد الذي يؤرقه هو الأكل طيلة الوقت ،بحيث يغامر كثيرا من أجل الحصول على الطعام أو الفاكهة و لو بالسرقة .
و كان كلما حصل على فاكهة ما ، و اكلها ، إلا و مضغها لمدة طويلة ، مدعيا أنه إذا بلعها، فلن تتاح له نفس الفرصة إلا بعد وقت طويل .
ثم الطفل الآخر المكنى ب ” اشليح، ” ذو الأصول الأمازيغية ،ذلك أن أباه كان قد هاجر مسقط رأسه و عائلته ،في منطقة ” سوس ” ،للانضمام إلى القوات الإسبانية ، هربا من الجوع الذي كان قد اجتاح تلك المنطقة .
كان اسمه الحقيقي ” الحسين ” ، و عُدَّ مختصا في سرقة المنازل و المؤسسات المهجورة : تفكيك الحديد و سرقته – النوافذ – الزجاج – الكراسي – الموائد …الخ .
ثم ” أحمد ” المعروف ب ” العرايشي ” ، و الذي كان قد تعلم السباحة في مدينته ” العرائش ” ، و كان يقود فريقا من التلاميذ إلى نهر ” اللوكوس ” قصد الاستحمام و السباحة ، و كانوا يقضون اليوم بكامله على ضفاف النهر يتناوبون على السباحة ، أو في الحقول المجاورة من أجل قطف الفواكه و الخضر و اكلها .
و أما ” الصرصري ” فكان متقدما بعض الشيء في السن ،مقارنة بالباقي ،إلا أنه كان يعجبه مصاحبة الأطفال الأصغر منه ، بهدف التباهي بقدرته على الانتصار على كل من اعترض سبيله .
فضلا عن ذلك ،كان حكواتيا ، بحيث أنه كان يختار إحدى زوايا الحي المضاءة بالإنارة ،خاصة في المساءات ، و يحكي و يقص حكايات من نسج خياله ، مقلدا بذلك حكواتي ” الحلقة ” و كانت أغلب مروياته غير متقنة و مقنعة ، و يكون دائما هو بطلها ، و يؤثثها بكثير من الأكاذيب.
و بالمقابل ،كان الطفل ” المرابط ” شعلة في الذكاء ، فبالإضافة إلى مثابرته في الدراسة ،كان يساعد أباه في التجارة رغم حداثة سنه ، إلى أنه لقي ربه في حادثة سير مروعة ،عائدا من مدينة الدار البيضاء بعد قضائه مآرب أبيه التي كلفه بإنجازها
و في هذا الإطار ،يجب التذكير إلى أن كل الآباء الذين كانوا يمارسون التجارة، يجعلون دكاكينهم ملحقات للمدارس ،حيث إن أبناءهم كانوا يساعدونهم في التجارة و يحصلون دراستهم في زوايا الدكاكين ، عندما تتراجع حركة المرتادين و الزبناء و المشترين …الخ .
يتبع…