سلاما أصدقائي سلاما (2).

23 سبتمبر 2022

ذ . إدريس حيدر

كان أغلب الأطفال سعداء بالرغم من الوَقْعِ المرير للاحتياج و الحاجة و الفقر .
و لا بد من الإشارة إلى أن بعضهم تميز – رغم ظروفه الصعبة – بذكاء ثاقب تطور في المستقبل إلى ملكات فكرية متميزة .
و هنا يحضرني كذلك أطفال مشاغبين و فوضويين …الخ .
فكان ” محمد الغربي ” المكنى ب” الجن ” نظرا لرعونته و نزقيته ،نحيف الجسد ،قصير القامة و خفيف الحركة .
كان يأتي على أفعال متهورة لا تصدق ، فقد كان يلج المنازل من شقوق صغيرة و كأنه أفعى، أو يصعد الأشجار الباسقة ،ذات الأغصان الرفيعة و القابلة الانكسار من أجل قطف فاكهة أو غلة معينة أوأعشاش الطيور ، و قد ينصب كمينا أو مقلبا للغير ، أو يرمي الطباشير على المعلم من الخلف …الخ .
و الطفل ” طويهر ” ذو الأصول البدوية ،الجائع دائما ، و الذي كان همه الوحيد الذي يؤرقه هو الأكل طيلة الوقت ،بحيث يغامر كثيرا من أجل الحصول على الطعام أو الفاكهة و لو بالسرقة .
و كان كلما حصل على فاكهة ما ، و اكلها ، إلا و مضغها لمدة طويلة ، مدعيا أنه إذا بلعها، فلن تتاح له نفس الفرصة إلا بعد وقت طويل .
ثم الطفل الآخر المكنى ب ” اشليح، ” ذو الأصول الأمازيغية ،ذلك أن أباه كان قد هاجر مسقط رأسه و عائلته ،في منطقة ” سوس ” ،للانضمام إلى القوات الإسبانية ، هربا من الجوع الذي كان قد اجتاح تلك المنطقة .
كان اسمه الحقيقي ” الحسين ” ، و عُدَّ مختصا في سرقة المنازل و المؤسسات المهجورة : تفكيك الحديد و سرقته – النوافذ – الزجاج – الكراسي – الموائد …الخ .
ثم ” أحمد ” المعروف ب ” العرايشي ” ، و الذي كان قد تعلم السباحة في مدينته ” العرائش ” ، و كان يقود فريقا من التلاميذ إلى نهر ” اللوكوس ” قصد الاستحمام و السباحة ، و كانوا يقضون اليوم بكامله على ضفاف النهر يتناوبون على السباحة ، أو في الحقول المجاورة من أجل قطف الفواكه و الخضر و اكلها .
و أما ” الصرصري ” فكان متقدما بعض الشيء في السن ،مقارنة بالباقي ،إلا أنه كان يعجبه مصاحبة الأطفال الأصغر منه ، بهدف التباهي بقدرته على الانتصار على كل من اعترض سبيله .
فضلا عن ذلك ،كان حكواتيا ، بحيث أنه كان يختار إحدى زوايا الحي المضاءة بالإنارة ،خاصة في المساءات ، و يحكي و يقص حكايات من نسج خياله ، مقلدا بذلك حكواتي ” الحلقة ” و كانت أغلب مروياته غير متقنة و مقنعة ، و يكون دائما هو بطلها ، و يؤثثها بكثير من الأكاذيب.
و بالمقابل ،كان الطفل ” المرابط ” شعلة في الذكاء ، فبالإضافة إلى مثابرته في الدراسة ،كان يساعد أباه في التجارة رغم حداثة سنه ، إلى أنه لقي ربه في حادثة سير مروعة ،عائدا من مدينة الدار البيضاء بعد قضائه مآرب أبيه التي كلفه بإنجازها
و في هذا الإطار ،يجب التذكير إلى أن كل الآباء الذين كانوا يمارسون التجارة، يجعلون دكاكينهم ملحقات للمدارس ،حيث إن أبناءهم كانوا يساعدونهم في التجارة و يحصلون دراستهم في زوايا الدكاكين ، عندما تتراجع حركة المرتادين و الزبناء و المشترين …الخ .

يتبع…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading