ذة. ربيعة حميحم
تضاعفت أطماعنا وزاد تلهفنا للفوز ، واشرأبت الأعناق عاليا ، لنرفع سقف أحلامنا جميعا ، فالنصر وشيك قريب ، وليس ببعيد بل إنه قاب قوسين أو أدنى ، فدفئ المكان وحضن الأشقاء وقلوب الملايين ، المتجهة صوب قطر مفتاح الشفرة …… إنها الأخوة الصادقة ، ونحن بين ظهرانيهم ، وفي محراب العروبة معتكفين معهم ، مستظلين بظل الله وعفوه .
مشاعر فياضة وقلوب جياشة تخفق بالحب !!!! لتتوحد الفرحة بإنجاز فريد ، غير مسبوق ، ليتكلم العرب لهجة مغربية جميلة ، ويتوحد الوطن العربي من المحيط الى الخليج . قلوب العرب تغزل نسيج المحبة ، والتقدير وتعزف على أوتار الحماس سيمفونية النشيد الوطني .
استطاع الأسود توحيد مشاعر العرب ، لترفرف الفرحة بجناحيها وتلف العالم العربي بأسره وتوحده ، ويرسموا بأقدامهم الذهبية ، فرحة عارمة على شفاه الملايين ، الذين أنهكهم الغلاء والبلاء والوباء …… لم تمنعهم الأسعار الحامية الوطيس ، بل هيجت قلوبهم وجوارحهم ليهبوا على قلب رجل واحد ، متدفقين الى الشوارع سيولا وأفواجا ، لتسمع ضربات قلوبهم على بعد أميال وتضطرب خلجاتهم …… أطلقوا العنان لمشاعرهم المرهفة ، ودوت الحناجر بالهتاف . دموع الملايين من العرب تنسكب محبة ، وكل الكفوف للباري متضرعة ، واستجاب القدر ، وهطلت أمطار الخير ، وفتحت مرمى الخصوم لتتلقى أهدافا قاتلة ، مميتة مفرحة جزيلة مبشرة بالنصر المبهج ، الساطع الأخاذ ، لنناطح السحاب ونعانق النجوم ونستهدي بوهجها ونورها .
كان لابد للأسود أن تلتهم وبنهم شديد من حولها ، في مباراة ملتهبة ، فالملك ملكا في عرينه مهابا وإن تكالبت عليه أعتى الجبابرة …..
بالأمس التهم الأسود الثيران الإسبانية ، بقوائم صلبة وبجسارة ليجلجل زئيرهم الملعب بأكمله ، وترفرف راية المغرب عالية خفاقة ….. فكانت الحلبة مشتعلة لتسقط الثيران، صريعة ذليلة على أرض الملعب ، براية حمراء ملتهبة ملتهمة الأسبان ، بعد أن عجز الثور الهائج عن فض شباك المرمى، الذي ظل بكرا نظيفا وسدا منيعا يصعب اختراقه . ليحزم الإسبان حقائبهم ويجروا خيبة أمل مضنية ……
سنلتقي يوم السبت مع البرتغال أو البرطقيز كما يحلو لي مناداتهم دوما .
عدت بذاكرتي أعواما طويلة ، فتذكرت مونديال مكسيكو 1986……. كنت في أيامي الأخيرة من حملي الثاني ، لا ألقي بالا لما يدور من حولي في المونديال ، لكنني وضعت حملي في اليوم الموعود وأبصر النور إبني إبراهيم ، وبعد ساعات قليلة من الولادة ، استأذن مني زوجي رحمة الله عليه بعد أن اطمأن علي وعلى وليدنا ، أن يذهب لمقهى مجاورا للمصحة ، لأن المغرب سيجتاز مقابلة تاريخية ضد البرتغال ، وكان للمغرب آنذاك أبطالا ترتعد الفرائص لمجرد ذكرهم ، رجال حقيقيون كتبوا التاريخ بماء الذهب ، أسماؤهم تثير الرعب فالزاكي حارس المرمى والتيمومي وبودربالة وخيري والضولمي ……. والقائمة تعج بأسماء كبيرة .
غفوت طويلا فقد كنت متعبة ، الى أن عاد زوجي حاملا بشرى الفوز ، فوز كبير مبجل وفوق العادة ، ونصر عظيم ظل عالقا بذاكرتي طوال ستة وثلاثون سنة !!!!!! فاز المغرب بثلاثة أهداف مقابل هدف يتيم للبرتغال ، نسيت آلام المخاض وألم الولادة ، لتغمر الفرحة أركان قلبي ، وكل البيوت المغربية ، وفي لحظات تاريخية ، رفع الزاكي الحارس الأسطوري وبودربالة العلم المغربي مباشرة بعد الفوز لتنطلق الاحتفالات ، وينفجر المغرب كله بالفرح …… تشكيلة قوية متكاملة لأسود حقيقيين بأقدام ذهبية ، يطرزون أهدافا قاتلة بمهارات فنية ، لترفع لهم القبعة ، وقتها أطلقت الصحافة الرياضية الأوربية على المغرب ، لقب برازيل إفريقيا . إذ كان صعبا جدا التأهل للدور الثاني في المونديال ، في مقابلة تاريخية ، صعبة للغاية !!!!!!
تدمع العين ويرفرف القلب ، لذكريات خالدة لاتنسى ، وكلنا أمل أن يعيد التاريخ نفسه ، ويسجل مونديال قطر فوز المغرب على البرتغال لنحيي أمجاد الأمس البعيد القريب . “إن ينصركم الله فلا غالب لكم” صدق الله العظيم .