محمد أكرم الغرباوي كاتب و مخرج مسرحي
البيلياملتير – أو نادي الضباط الإسبان ، المركز الثقافي حاليا – طابقه العلوي كعادته يستقبل تلاميذ و طلبة و أساتذة ومهنيين مولعين . بحركة منتظمة على طول درجه المفضي إلى فضاء فسيح به حلقة كبيرة ( فراغ بالوسط ) تطل على المكتبة المبهرة من علو . القاعات هنا بالفوق تحمل أسماء الالات الموسيقية ، وواحدة للطرب الأندلسي ، وأخرى للصولفيج . بخلاف المكتبة أسفل تحمل أسماء أعلام المدينة .
نحن الآن بالمعهد الموسيقي بالقصر الكبير ، وفي حضرة فصل الصولفيج . الساعة السادسة و ربع مساء بالتمام و الكمال . بخطى ثقيلة يقصد الأنيق المهيب باب الحجرة ليحكم إغلاقها .حجرة الدرس هذه لاتؤمن بألقاب أو مهن أو جنس أو سن ، هكذا هو الفصل الموسيقي متعدد ومختلف ، و في الدرس الجمالي مؤتلف. بإبتسامة هادئة و نقرة على السبورة ذات الخطوط و الفسحات . تفتتح حصة الصولفيج المسائية .
بداية يتخذ معلمنا أقصى الشمال ليمهد لدرس يجمع فيه بين الرياضيات و الرياضة و الأدب و الخشوع لهيبة الحركة و اللحن . يتمايل الأنيق الطويل دون انتباه أو خلل ليتموضع الوسط و يداه تعانق السماء . هنا كنت أخاله يحدث غائبا حاضرا يلهمه أسرار شده لانتباهنا و تركيزنا وسفرنا معه. كان يعانق الهواء و يرمي به بعيدا بصوته الجهوري ، إلى أن نراه يحكم قبضته ملوحا بها في إشارته الثنائية او الثلاثية أو الرباعية حسب ما يقتضيه ميزان اللحن . بوم تاك . تاك بوم تاك . تاك بوم بوم تاك . … استدارته كساحر ماهر ترفعنا من طاولات الدرس إلى حيت هو بمنطقة اليسار و البيانو الكبير . كتلة خشبية عضمية سوداء . كان يهوى العزف عليه بداية واقفا . ناظرا إلينا ويداه خلفه تعرف الطريق حيت الألحان وتموضعها .
بدايات الخطو التعليمي الموسيقي مع الحاج الصبيطري كانت التربية على أسرار اللحن و موطنه و جماليات الأذواق الموسيقى لحنا و سكونا قبل الإنبهار بالعزف و الايقاع .
كان درس المساءات اشتهاء ومتعة الحاضرين كل سادسة وربع . و أنيس كل مستمع خلف جدار أو تجل لناظر وهو يخاطب السماء لحنا من وراء ستار نافذة مشرعة على حديقة بريس كالدوس .
هكذا لم يتكرر- الأنموذج – الحاج الصبيطري الموسيقار التربوي الجمالي الذي ظل بذاكرة المدينة معلما على هودج الجمال .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي