بقلم: عبد القادر أحمد بن قدور
قبل تقديم هذه الدراسة الأساسية في حقوق الإنسان والديمقراطية وغير ذلك من بعض ما في الدول العربية والإسلامية، لابد في ختام هاته الدراسة عن ذلك سأستعين بنشر الديباجة “للإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، مع أربعة فصول منه والفصل الأخير ليتأكد لمن يقرأ هذا الإعلان الهام والتاريخي في حياة الشعوب بالعالم أجمع، ويستفيد منه بإغناء فكره القانوني، والحقوق التي يذكرها هذا الإعلان الموجه لشعوب العالم في 10 ديسمبر 1948م وهو من إنجاز رجالات الدول العظام والمفكرين وغيرهم من رجال القانون الأكفاء… بدرجات عالية والمناضلين الأقحاح…
هذا، وقد طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص الإعلان و”أن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، ولاسيما في المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى دون أي تمييز بسبب المركز السياسي للبلدان أو الأقاليم”.
إن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان مصدر معظم التحليلات النقدية التي تتعالج راهنا بالفكر الاجتماعي والسياسي. وهذه التحليلات تنظر في معظمها إلى جعل حضور هذه القضايا وغيابها مفتاحا لنفهم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالدول العربية والإسلامية حاليا، وقد تذهب إلى أبعد من ذلك، فتعمل على جعل هذه القضايا سببا رئيسيا، بل في بعض الأحيان هذا هو السبب الرئيسي والأول في تخلف هذه الدول ومجتمعاتها.
وإذا لم نرجع إلى ذكر مرة أخرى الأدبيات العديدة التي تعالج معوقات حقوق الإنسان في البلاد العربية والإسلامية، وكذلك إلى مئات الدراسات حول التاريخ لهاته الدول وإشكالياته المتعلقة بالاستعمار الغاشم والتحرير التي كانت مدار المناقشة والبحث والنقد والتنقيب على فترة أزيد من ثلاثة قرون مضت، سنرجع إلى تساؤلات راهنة مباشرة تجعل في نظرنا مساحات الماضي القريب والحاضر الراهن، وربما كذلك في أفق الحدود الممكنة أفق المستقبل والزمن المقبل…
وقد نعني بالماضي القريب، ذلك الجزء من تاريخنا العربي والإسلامي الاستقلالي الذي عملنا على صنعه، وقدمنا من أجله التضحيات الجسام، من أجل أن نصل إلى التحرر السياسي والاقتصادي، وبعبارة أدق، هو ذلك الجزء من التاريخ الافتراضي الانتقالي، والذي كنا بمعايير التحديدات العالمية، نملك فيه مقاليد أمورنا، ونتحكم ولو افتراضيا في مقاليد أمورنا بأوطاننا، وبإمكانات تطورنا.
وقد نجد الآن إذا كانت بعض الأسئلة تطرح بإلحاح حول غياب مقولات كحقوق الإنسان والديمقراطية، وهي من الممارسات الاجتماعية والسياسية على فترة الاستقلال السياسي لبلداننا من دون أن ترفع الأصوات المطالبة بها بين النخب الثقافية والسياسية، فإن الأسئلة التي تلوح لنا عن غيابها عن الأبحاث السوسيلوجية (إلا ما نذر) التي كان يجب أن تكون مدار اهتمامها، تظهر أكثر إلحاحا. وإذا كان معظم الدارسين والباحثين الاجتماعيين العرب، يرجعون هذا الغياب إلى أسباب موضوعية مرتبطة بالوقائع الاجتماعية والسياسية العربية والإسلامية، وكذلك بالأولويات التي فرضتها هاته الوقائع، فإن فريقا آخر من الباحثين يربطون بين هذا الغياب وانخراط عدد كبير من الباحثين الاجتماعيين وغيرهم في مشروعات الدول المستقلة، وإيمانهم الكبير بهذه الأولويات، مما أدى في نظر البعض إلى تقاطع مأساوي بين الإيديولوجيا والبحث العلمي، وإلى ارتكاز بحوثهم في ميادين أخرى هي جديرة بالبحث، لكنها ليست كافية للإلمام بمشاكل هذه المجتمعات التي كانت في تخلف مزمن، فرضه الاستعمار الغاشم والطويل على هذه الدول. ويظهر لأحد الباحثين الاجتماعيين (وهو سالم ساري) أن القضايا الرئيسية التي كان يجب على البحث الاجتماعي أن يعبر عنها ولم يفعل هي خمس:
1) تأصيل الصراع العربي الإسرائيلي. 2) رسوخ التنمية الإيديولوجية والاقتصادية. 3) غياب الديمقراطية الفعلية. 4) سيطرة قوى التخلف والتجزئة وتعميق الخلافات الاجتماعية. 5) تكريس البلادة الاجتماعية واللامبالاة السياسية.
هذا، ويؤكد هذا الباحث الكبير في كتابه الآخر المعنون بـ “الاجتماعيون العرب ودراسة القضايا المجتمعية العربية: ممارسة نقدية”، (المستقبل العربي، العدد: 75 (مايو 1985) (ص 85-90).
ويذكر هذا الباحث الهام نفسه ما ذكره إياد القزاز في قوله ((إن الباحثين الاجتماعيين غيبوا هذه القضايا، واعتبروها مناطق حساسة أو محظورات سياسية أو مناطق سوسيولوجية منسية)).
وانشغل الباحثون بدلا من ذلك بالأساليب والأدوات المنهجية، فثبتوا المشكلات الغربية كما كانت قد تجمدت في المجتمعات الصناعية، فلم تخرج إشكاليات بحوثنا الاجتماعية عن أنماط سلوكية وأفعال انحرافية وقيم باثولوجية أو ظواهر قابلة للملاحظة).
وإذا كان الكثير من الباحثين يربطون بين هذه الأزمة وغياب الديمقراطية في الوطن العربي والإسلامي، فإن السؤال عن التأخر في الأبحاث والدراسات الجدية حول الديمقراطية نفسها أو حول الإنسان وحقوق المرأة يظل ملحا أكثر في وقتنا الحاضر الذي بدأت بوادره تظهر للعيان بين فترة وأخرى، ويطرح أسئلة كثيرة حول الأسباب والعوامل التي استجدت في الفكر الاجتماعي العربي والإسلامي اليوم، حتى تحيل هذين المجالين المتلازمين، الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى هاجس المفكرين والباحثين والنخب المثقفة عامة، وأتساءل من الذي غيب هذه القضايا عن البحث والنقاش، إن لم أقل عن المطالبة بها بإلحاح كبير والنضال من أجل تحقيقها ؟ ومن الذي يجعل من هذه القضايا محورا رئيسيا للأبحاث الاجتماعية والسياسية اليوم أكثر من ذي قبل ؟ ما هي العناصر الموضوعية التي أحلت تلك القضايا في هذه المكانة المميزة، وما هي العناصر الذاتية التي تجعل من حقوق الإنسان مطلبا نخبويا من دون أن يحوله مطلبا ملحا لجميع الناس ؟!
هل يرتبط ذلك بالتحولات النوعية في الفكر والسياسة التي عصفت بالعالم في نهايات هذا القرن وبداية القرن الحالي، أم إن ذلك يرتبط بالأشكال السياسية التي تتحول نحوها المجتمعات العربية والإسلامية، أو إن ما يحدث ليس سوى نتيجة منطقية للتغيرات العميقة التي خضعت لها البني الاجتماعية والأطر المختلفة، المعبرة عنها ؟!
هذه الأسئلة، وكثير غيرها، تلح على الباحث المراقب لما يجري في المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة ونحن في هذه الدراسة نقترب من الأسئلة بحذر شديد، فلا تزال مقاربة هذه المفاهيم مشحونة بالعواطف والانفعالات التي تدغدغ مشاعر الأفراد والجماعات الذين رزحوا، وبعضهم لازال برزح، تحت سلطة أنظمة سياسية واجتماعية صادرت، ولا تزال تصادر، الحريات الشخصية والاجتماعية، تارة باسم المصلحة الوطنية والقومية وغيرها، وتارة باسم الخصوصية الثقافية والعقائدية.
لذلك لاتزال هذه الأسئلة رهينة السجال الإيديولوجي الذي يعيد المسألة برمتها إلى ظروف وإرادات خارجية وغيرها، بينما يعلن فريق آخر انبثاقها العفوي داخل المجتمعات التي خضعت للاستبداد عقودا طويلة، فهي بذلك رد منطقي على إخفاق السياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويرى هذا الفريق أن تطابقها الموضوعي مع الظروف الجديدة للعولة يؤكد عالميتها وأهميتها بالنسبة للإنسان، أينما كان وكيفما كان.
وإذا كان من الصعب تجنب بعض مخاطر الرفض والقبول للأطروحات المختلفة حول هذا الموضوع الشائك حاضرا، فإننا سنحاول قدر الإمكان إعادة الإشكالية إلى موقعها الأصلي، فهي إشكالية اجتماعية بالدرجة الأولى، وعندما نقول اجتماعية، فذلك يعني أنها تتصل بصلب الحياة العربية في جميع أبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية، لذلك نستطيع القول إن الإنسان هو النقطة المحورية التي تلتقي فيها جميع هذه الأبعاد وتتمظهر أكثر فأكثر…
وأنهي هذه الدراسة الموجزة بإشارات كما سبق القول في مقدمتها
عن: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالديباجة وبعض الفصول
وذلك لأهمية ذلك بهذه الدراسة…
الديباجة للإعلان المذكور
ولما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.
ولما كان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وكان البشر قد نادوا ببزوع عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة و بالتحرر من الخوف والفاقة، كأسمى ما ترنوا إليه نفوسهم، ولما كان من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد، ولما كان من الجوهري العمل على تنمية علاقات ودية بين الأمم، ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره، وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق، وحزمت أمرها على النهوض بالتقدم الاجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية أفسح، ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالعمل، بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان تعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولما كان التقاء الجميع على فهم مشترك لهذه الحقوق والحريات أمرا بالغ الضرورة لتمام الوفاء بهذا التعهد، فإن الجمعية العامة تنشر على الملأ هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم، كما يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، وكيما يكفلوا، بالتدابير المضطردة الوطنية والدولية، الاعتراف العالمي بها ومراعاتها الفعلية، فيما بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها وفيما بين شعوب الأقاليم الموضوعة تحت ولايتها على السواء.
المادة 1:
يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.
المادة 2:
لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.
وفضلا عن ذلك، لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء كان مستقلا أو موضوعا تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعا لأي قيد آخر على سيادته.
المادة 3:
لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.
والمادة الأخيرة في هذا الإعلان 30 تقول:
ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تحويل أي دولة أو جماعة أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه.
وعن كل هذا، يظهر لنا بالملاحظة التجريبية البسيطة التي تؤكد لنا أن حقوق الإنسان مبادئ وإعلانات وتطبيقات، لا تزال مقتصرة على دول المراكز الاستعمارية القديمة منها والحديثة، وإذا كانت بعض مظاهر الديمقراطية أو بعض الأشكال القانونية لحقوق الإنسان قد بدأت تظهر في مكان أو آخر في العالم المستعمر سابقا، فإن ذلك الأمر لا يعد وكونه عابرا (ونتمنى من أعماقنا أن لا يكون كذلك) مفتعلا وفوقيا، إذ أن العناصر الموضوعية لتجذره في البنى الاجتماعية غير راسخة الأساس.
وعندما نتكلم عن العناصر الموضوعية، نذكر الاستقلال السياسي وبناء الدولة الحديثة (دولة القانون) والتنمية الاجتماعية الحقيقية في جميع مستوياتها. فلا تستقيم حقوق من دون قانون ولا يستقيم قانون إلا في دولة تتمتع بالحد الأدنى من الاستقلال السياسي والاقتصادي، وليس لمضمون حقوق الإنسان معنى في ظل الفقر والحاجة والبطالة والتهميش.
– القصر الكبير في يوم 08/07/2022