بقلم ذ. الخليل القدميري
هناك أشياء يقوم بها المرء تلقائياً دون أن يفكر، ولا تظهر أهميتها حين يفعل ذلك، لكن تتغير نظرته إليها في ظروف مغايرة وفي حالات نفسية مختلفة، وعندئذ يدرك مغزاها وتداعياتها عليه وعلى الآخرين، فيكون لزاماً عليه أن ينسحب بهدوء قبل أن تجرفه سيول ليس مستعداً لحماية نفسه منها.
ومن قبيل ذلك ما وقع لي بعد بضعة أسابيع من تعرفي على جارتي، حين شعرت أن شيئاً ما بداخلي بدأ يتشكل ببطء شديد. إنه إحساس لذيذ لم أفلح، لأول وهلة، في تحديد طبيعته ولا سببه. تصورت في البداية أنه من ذلك النوع من الأحاسيس العابرة التي تنتابنا من حين لآخر، مثل أحلام جميلة ننتشي بها للحظات قصيرة ثم تتلاشى، لكن الإحساس بها لا يختفي بل قد يتنامى مع مرور الوقت.
بذلت قصارى جهدي للسيطرة على الموقف وجعله مجرد غواية بين شخصيْن مسنيْن للتسلية ومقاومة الإحساس بالعزلة والكبر، وهما على يقين بأن لهذه اللعبة حدوداً لا ينبغي تجاوزها.
لا أنكر أن جارتي أبهرتني بجمالها الهادئ خاصة في بداية انخراطنا في اللعبة، لكنني أفلحت في السيطرة على عواطفي واستطعت أن أحوّل علاقتي بها إلى حلم جميل، أعرف أنه لن يتحقق ولا أريد له في الحقيقة أن يتحقق، بل أن ينحصر مفعوله، فقط، على كسر الرتابة القاتلة، لكي يظل للحياة أو ما تبقى منها معنى.