تين هينان TEN HENAN

19 يونيو 2024


___بقلم : حنان قدامة______٤
كان الصّمتُ الموحش يملأ الصّحراء ويلفّ البيداء ،فجأة مزّقت وحشة المكان صيحاتُ “يوسف” وهو يسمع هدير الجِمال ويرى ركبا قادما نحوه ،كانوا رجالا زُرقا ملثّمين حاملين لسيوف وخناجر،أقبلوا على يوسف وبادره قائدُهم “تاشفين ” بالحديث بعد أن لمح الخوف يُطلّ من عينيه .
ــ لا تخف نحن ملوكُ الصّحراء ،نحن شعب الطّوارق لن يمسّك أحد بسوء .

تهلّلت أساريرُ” يوسف “،تحامل على آلامه وانطلق يُحدّث زعيم الطّوارق عن ظروف تيهانه في فلوات الصّحراء في أولى مشاركاته في رالي “باريس ـ دكار ” للدّراجات النّارية .
بكل ثقة أجابه الزّعيم : لستَ أوّل من ينقذه الطّوارق ولن تكون الأخير .
وصل الرّجال الزّرقُ مع ضيفهم إلى مضارب القبيلة في صحراء “مالي “الشّاسعة،كانت عبارة عن بيوت طينية وخيام منصوبة مصنوعة من شعر الماعز . نادى الزّعيم “تاشفين “على زوجته “تين هينان” التي رحّبت بمقدم “يوسف”،وكعادة الطّوارق في استقبال الضّيوف ناولته آنية مملوءة بلبن الناقة .
وهو يتناول اللّبن تحت ظلال شجرة الآكاسيا سأله “تاشفين”
ــ من أيّ بلد قدمت ؟
ــ من المغرب ،ردّ عليه”يوسف” .
انتفض “تاشفين “وانحنى يُقبّل رأسه قبل أن يستدرك :ّ نحن أقرباء إذا يا يوسف ، نحن الطّوارق الملثّمون أبناء صنهاجة وأحفاد يوسف بن تاشفين ، أنا أحمل اسم “تاشفين” تيمّنا باسم زعيم المرابطين
عقدت الدّهشة لسان “يوسف ” ،لم تشفق مضيفتُه السّمراء”تين هينان”على دهشته ،فزادتها توقّدا وهي تبارك حديث زوجها :
ــ لعلك لا تدري يا “يوسف ” أنّ أمّ الطّوارق ّ التي حكمت ثلث القارّة الإفريقية هي أميرة من بلدك المغرب . .
فاغرا فاه وعاقدا حاجبيه سأل “يوسف ” من غير سؤال لتسترسل ألطّارقية في الحديث
ــ هي الأميرة المغربية “تين هينان “التي فرّت مع حاشيتها الصّغيرة من مدينة “تارودانت” إلى الصّحراء الكبرى بعد رفضها الزّواج من أمير إفريقي .

كان” يوسف “يرنو إلى حديث مُضيفته الشائق وهو يغالب استغرابا وتعبا جليّين فاستأذنته” تين هينان”في الانصراف من أجل أن تنصب خيمته قبل أن تغرب الشمس صادفت الليّلة الاولى لمقام “يوسف “في صحراء مالي احتفال الطّوارق ببلوغ بعض فتيانهم سن الثامنة عشر حيث آن آوانهم لارتداء لثام لايُرى منه إلا محاجر العينين ولا يُنزَع إلا عند النّوم .
كان الرّجال الملثّمون يرتدون ملابس زرقاء مغمسة بنِيلة يحملون سيوفا طويلة زُيّنت مقابضُها بالفضّة ،بينما كانت النّساء الطاّرقيات سافرات الوجه ،بعضهن حاسرات الرأس مرتديات الزي التّقليدي الطّارقي “التسغنس”ومتحلّيات

بجواهر وخلاخيل فضّية ،بعضهن كنّ منهمكات في العزف على الآلة التي يصنعنها بأنفسهنّ ، آلة “التيندي ” الصّادحة بالشّجن الصّحراوي والمحرّمة على الرجال الذين يتنافسون في رقص رقصة الجِمال . . تعالت أصواتُ قرع الطّبول وزغاريد النّساء حينما ترجّل”تاشفين ” عن جمله المهري الأبيض واتّجه صوب الفتيان المُحتفى بهم من أجل أن يلُفّ العمائم على رؤوسهم وعلى وجوههم التي سوف تتقنع بعد د قائق معدودات . .
لم يخف “يوسف” استغرابه لما تراه عيناه ، لم تمهله “تين هينان “فهمست في أذنه قائلة :
ــ لثام الرّجال جزء من هويّتنا نحن الطوارق،هودليل حياء الرّجل الصّحراوي زيادة على أنّه يحفظ مرتديه من الأرواح الشرّيرة .
كان “يوسف المغربي مع الملثّمين الجدد نجوم َالحفل، الجميع يرحّب به والجميع يبارك مقامه في أرض الصّحراء
بعد أن أسدل اللّيلُ ستاره آوى “يوسف “إلى خيمته الصّغيرة ،استلقى على سرير مكسو بجلد الجِمال لكنّه لم ينم، فقد جفاه النّوم وسهّده السّحر والجمال في ناشئة اللّيل ….جمالُ قمر الصّحراء المتدلّي كأنّه قنديل يضيء جبال الّرّمال في دُجى اللّيل الحالك…جمال ّالنّجوم اللامعة المتناثرة التي سكبت ضوءَها على الكثبان الرملية ثم جمال السّماء الصّافية العارضة للَوحات بديعة من زُرقة فاتنة . . استيقظ” يوسف “على صوت الطّوارق وهم يستعدّون للانطلاق في البراري من أجل صيد الغزلا ن ، فتح عينيه فالتقتا بعينيّ الصّبي “أوسمان “وهويختلس نظرات إليه استسلم “يوسف ” لبريقها فخرج من خيمته حاملا الطّارقي الصّغير بين ذراعيه.
تناول فطوره مع الزّوجين وشروق الشمس يغدق دلالا وغنجا على البيداء ،على مائدة الإفطار الخشبية وُضع إبريق شاي أسود وجُبن ماعز استطابه “يوسف ” كثيرا .
شعر “يوسف بالحرج وهو يستوضح “تاشفين”
ــ كيف تتحملون صعوبة الحياة في هذه الصحراء؟
ــ بدون تردد أجابه: صحيح هي حياة صعبة لكنها تتناغم مع تضاريس وطننا ومع طبيعة الإنسان الطّارقي المروّض للريح والجفاف ،العاشق للحرّية التي تحلّي الحياة في الصّحراء ، نحن نكره الحدود والجدران لأنّهما يقيّدان حريّتنا . هُّويّتنا “يا يوسف” نابعة من الصّحراءالرّحبة. من رمالها ….من كثبانها …من نِياقها ومن صبَّارها ، فكما تقول ترنيمة الطّوارق الخالدة نحن حبّات رمل في وجه الزّمن لا ننتهي ولا نتفرّق، صحيح فرض علينا الاحتلال الفرنسي نحن الطّوارق حدودا و شتاتا في مجموعة بين الدّول لكنّ شعب الطّوارق يرجو ربط الماضي بالحاضر، يرجو إعادو مجد مملكة الطوارق ّفي الصّحراء الكبرى كما كانت في عهد أمّهم الملكة المغربيه “تيت هينان ” . قطع “تاشفين “حديثه ،فقد دوّى هدير طائرة محلِقة في الفضاءعلى علو منخفض، توجهّ زعيم أحرار الصّحراء بالكلام إلى ضيفه :
ــ أبشر يايوسف ستغادر الصّحراء بعد قليل فقد جاء من يرحّلك منها .
ودّع يوسف الأسرة والقبيلة التي أهدته أُنسا في وحشة الفلى، صعد سلّم الطّائرة وهو ينازع حنينا إلى أناس شِهام وإلى أرض نُبل لم يغادر بعدأجواء سمائها . .
بقلم : حنان قدامة

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading