ذ ؛ عبد القادر احمد بن قدور
تقديم
طرح إعلان حقوق الإنسان و المواطن الفرنسي عام 1789 م نفسه بصفته إعلانا عالميا ، فهو لا يختص بحقوق الفرنسيين فقط ، بل جاء لمصلحة جميع الناس في كل زمان و مكان .
وعلى الصعيد الدولي يعبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الذي هو ثمرة حل وسط بين المفاهيم الغربية و المفاهيم الإشتراكية عن عالمية حقوق الإنسان ، فهو يستخدم كلمات مثل ” الناس ” و ” الإنسان ” أو ” الفرد ” ويبتعد عن استخدام ألفاظ ذات مفهوم سياسي أو قانوني مثل ” المواطنين ” أو ” الرعايا ” . و قد نجح الحقوقي الكبير رينيه كاسان ، ممثل فرنسا في لجنة حقوق الإنسان ، الذي كان له الدور الأكبر في وضعه بصورته النهائية ، و في وصف الإعلان بأنه ” عالمي ” بعد أن كانت المشروعات الأولى تصفه بأنه ” دولي ” و قد أوضح كاسان أن الإعلان يستحق هذه الصفة بجدارة من حيث مفهومه و مصدر إلهامه و المخاطبون به و مضمونه ، مضيفا أن الإعلان ينادي بحقوق الكائن البشري من دون تمييز ، وفي أي مكان كان و أيا كان النظام السياسي السائد في البلد الذي يعيش فيه ، أو المجموعة التي ينتمي إليها .
هذا ، وقد حظي الإعلان بنأييد جميع البلدان الديمقراطية و الديمقراطيات الشعبية و الأمم التي استقلت بعد الإستعمار الآتم في كل أنحاء المعمور ، وتبدي الدول كلها ، أيا كانت أوضاع حقوق الإنسان فيها ، حماسا منقطع النظير للإعلان ، و يشهد على ذلك النص على الإلتزام بالإعلان و دمج أحكامه في دساتير العديد من الدول الإفريقية و دول العالم الثالث الأخرى . وهذا يعني أن عالمية الإعلان لم تعد نسبية كما كانت في عام 1948 م و حيث اعتمد بأغلبية (( 48 )) دولة فقط من بين (( 58 )) دولة عضوا في الأمم المتحدة في ذلك الوقت .
وقد تعززت عالمية حقوق الإنسان مع تطور ” القانون الدولي لحقوق الإنسان ” بمختلف مصادره ، وهو قانون يزداد ثراءا مع الزمن ، ونقطة البدء فيه هي فكرة العالمية .
قبل التعرض في هذه الدراسة على عدة معطيات حقوقية و إنسانية و غيرها ، لا بد من الرجوع إلى بعض الفصول و المعطيات في الدستور المغربي الحالي ، وكذلك في الميثاق العالمي و الدولي لحقوق الإنسان و الإستئناس بفصولهم و التأكيد على التنفيذ لهم ، لأنهم أحيانا لا يطبقون سواء ببلادنا أو بدول عربية و إسلامية أخرى .
في تصدير الدستور للمملكة المغربية لفاتح يوليوز 2011 مايلي 🙁 إن المملكة المغربية ، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه ، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق و القانون ، تواصل إقامة على انه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب و الأمم حتى يسعى كل فرد و هيئة في المجتمع ، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم ، إلى توطيد احترام هذه الحقوق و الحريات عن طريق التعليم و التربية و اتخاذ إجراءات مطردة ، قومية و عالمية ،لضمان الإعتراف بها و مراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها و شعوب البقاع الخاضعة لسلطانها .
إلى أن يشير هذا الإعلان في المادة 1 بذكر : ( يولد جميع الناس أحرارا متساويين في الكرامة و الحقوق ، وقد وهبوا عقلا و ضميرا و عليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء .) إلى غير ذلك من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان في العالم بالتساوي دون أي تمييز و لو بالرأي السياسي ..إلخ..
الحق و صاحبه : الفرد لم يعد يستأثر بحقوق الإنسان ، ولكن هذا لا يعني أن الحقوق الفردية ، التي حمل لواءها إعلان حقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 م فقد فقدت بريقها ، وبلا شك فإن هذه الحقوق تسجل انتشارا ، وهي تمثل حلما بالنسبة إلى الكثيرين في هذا الكون ، ولا يزال الفرد الشخص الأول لحقوق الإنسان .
وهذا لا يعني القفز على الحقوق الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية التي تعد دينا على الدولة ، لا بد الآن من أخذ البعدين الفردي و الاجتماعي للإنسان ، و الإنسان الذي نعنيه ليس الفرد منعزلا أو مأخوذا على حدة ، و هو ليس الفرد الذي ينتظر كل شيء و بشكل سلبي من الدولة ، إنه ذلك الإنسان الذي يتصرف داخل المجتمع و بفضله ، وفي مصلحة كل أفراده ، و كرامة الكائن البشري التي تعتبر ركيزة لكل الصكوك الدولية لحقوق الإنسان ، و تلتزم الدولة ليس فقط بالإعتراف بالحقوق التقليدية للفرد بل تلزمها كذلك التدخل للحد من الظلم الاجتماعي ، وفي المقابل حين يرى الفرد أن حقوقه مكفولة من قبل المجتمع ، فهو لا يتصور أن يمارس هذه الحقوق ضد المجتمع . ولا يعني هذا كله عدم الاعتراف بحقوق معينة للأشخاص الذين ينتمون إلى الجماعات الخاصة كالأقليات ، ولكن هذه الحقوق يجب أن يكون الغرض منها الحفاظ علة كرامة الإنسان و ليس تعزيز خصوصيات هذه الجماعة في مواجهة الجماعات الأخرى …
ويتجلى كذلك أن حامي حقوق الإنسان في هذا القرن ، كما كان في سنة 1789 م الذي شهد إعلان حقوق الإنسان و المواطن في فرنسا هو الدولة و إصلاح الدولة لا يزال موضوعا معاصرا ، و ستستمر الدعوة خاصة من طرف المفكرين و العلماء إلى إصلاح الدولة مستقبلا ، ولا يزال هناك عدد من الدول التي لا تحترم الحقوق الأساسية للكائن البشري ، فنحن نجد كل يوم انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في أسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية و بدرجة أقل في الدول الأوروبية و أمريكا الشمالية و ” العيش بحرية ” حتى في الديمقراطيات التي تقوم على التعدديات ، وهذا ليس حقيقة ثابتة و مكتسبة بشكل نهائي لا رجعة فيه، بل هو مكتسب يجب الدفاع عنه بشكل مستمر و متواصل ، و الدليل على هذا من أننا نرى اليوم نزوعا أكبر من قبل السلطة التنفيذية إلى الإستئثار بجميع السلطات . و البرلمان قد يختفي في كثير من الدول و يتضاءل دوره في وظيفته التشريعية ، و في عملية الرقابة على السلطة التنفيذية وهو حتى حين يتدخل ، فإن آلية الأغلبية تجعل منه في عدد من الأحيان مجرد أداة للسلطة التنفيذية . و تزيد التقنيات الحديثة من إمكانات القمع ولا تتناول الصكوك الدولية لحقوق الإنسان ، باستثناء الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ،الشرائط التي يتعين استيفاؤها في السلطة ، حتى تكون قادرة على كفالة احترام حقوق الإنسان ، و تكتفي بالإشارة بشكل عابر( إلى المجتمع الديمقراطي) ، وبدون شك في أن الديمقراطية التعددية تشكل الأساس اللازم لاحترام حقوق الإنسان .و ينبغي من الآن فصاعدا أن تركز الصكوك الدولية لحقوق الإنسان على هذا نوع من الديمقراطية ، وخاصة بعد انهيار الديمقراطيات الشعبية في أوروبا الشرقية و حتى الدول النامية التي كانت النخب الحاكمة فيها تقول بتعذر الديمقراطية بدون التنمية ، نراها الآن تقلب المعادلة بعد أن جربت عبثا الوصول إلى التنمية من دون ديمقراطية .و الإتجاه أينما كان هو( الكفاح ضد التخلف و الفقر لا يمكن أن يكون فعالا بدون ديمقراطية المجتمع و من دون مشاركة أفراد هذا المجتمع في الحياة السياسية ، ولا شك الآن في أن الديمقراطية تسير في خط مواز للتنمية ، أما وجهة النظر المغايرة، فهي ليست سوى مجرد ذريعة لإفلات الحكام من الرقابة الشعبية ، مع ما يعنيه ذلك من شمولية وحكم فردي .
و إذا كانت الديمقراطية التعددية شرطا لازما لإقرار حقوق الإنسان ، فإنها ليست شرطا كافيا لهذه الغاية ، وبالإضافة إلى سيادة دولة القانون بمكوناتها المعروفة ، فإن من المفيد لإنعاش الديمقراطية التي أصبحت تعاني حتى في الديمقراطيات الغربية إذ نص في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان على مبدأين جديدين و يكمل أحدهما الأخر : مبدأ الشفافية و مبدأ المشاركة .وهذا يعني إقرار الحق في الإستعلام الذي يؤذي بدوره إلى الحوار و إلى مشاركة المواطنين في القرارات التي تعنيهم و إلى اتخاد قرارات مقبولة )و غير مفروضة عليهم .
و إذا لم يكن بد لحقوق الإنسان من أن تحمى من الدولة .
و إذا كان من المقبول أن توضع بعض القيود على الدولة لهذه الغاية ، فليس المقصود إضعاف الدولة ، فهذا هو أخطر ما يمكن أن يقع بالنسبة إلى حقوق الإنسان. لأن دولة بوصفها سلطة منظمة ضرورية لضمان النظام العام الذي لا غنى عنه لازدهار حقوق الإنسان ، و هي ضرورية لأنها الوحيدة القادرة على مناهظة التصرفات المنافية لحقوق الإنسان و التي تضع قواعد لهذه الغاية و تشرف على الامتثال الفعلي لها .و الحرص على الإبقاء على سلطة الدولة ينجم عنه حقها بل واجبها في الدفاع عن نفسها ، ومن هنا تجيء أهمية البنود الوقائية أو الحمائية التي تسمح للدولة بالخروج على حقوق الإنسان في أحول معينة و بشروط معينة ، ولكن مع استثناء الحقوق التي تشكل النواة الصلبة التي لا تقبل الخروج عليها حتى في حالة الحرب ( لا قدر الله ) أو المخاطر العامة التي تهدد حياة الأمة ، وهذه الرخصة التي يجب أن تتمتع بها الدولة لابد من أن تكون محل مراقبة من قبل قضاء دولي سواء لدى إقرارها أو في أتناء تطبيقها ، و ذلك على نحو ما أقرته الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية .
وفي هذا الإطار أشير فقط بهذه المناسبة و أندد بالإهمال و اللامبالات الذي لحق ملفات عديدة للمناضلين و غيرهم من ضحايا الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الذين تعرضوا للتعذيب الجهنمي و المبرح و الظلم و خاصة لي بالتعذيب الكبير بالكهرباء في رأسي و جبهتي الذي ترك لي ضررا فادحا في نفسي و جسمي ، حيث لازلت أعاني من هذا الدواء لأزيد من 50 سنة و التسويفات التي تعرضنا لها من طرف بعض المسؤولين رغم الإحتجاجات و الاعتصامات المتعددة لعشرات السنين أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان و البرلمان و الباشويات و غيرهم ، وهذا تسبب لنا في أضرار جسيمة عديدة و نفسية لازال يعاني منها الجميع دون رحمة أو شفقة ، بل كذلك حقوقي في الترقية الإدارية القانونية و الأكيدة بالدليل الملموس لازالوا يماطلون لي فيها مع جبر الأضرار التي لا تعوض بأي ثمن لم أتمكن منها مع غيري من ضحايا الإنتهاكات الجسيمة العديدة لنا جميعا …
وفي عهد جلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره و حفظه بالذكر الحكيم، قد توصلت المملكة المغربية من الإتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة -الذي ألتمس منهما أن يطالبوا المغرب بأن يمنحنا حقوقنا كاملة و جبر أضرارنا تامة- لأنهم عملوا على دعم المغرب الحبيب ب 200 مليار درهم تقريبا أو أكثر بما يسمى بالديمقراطية و حقوق الإنسان في إطار العدالة الإنتقالية لتكون المصالحة الوطنية و الإستقرار لخلق ظروف الاستثمار للدول الغربية و لتنمية الجهات المتضررة – وهكذا نجد مدينة القصر الكبير العتيدة و المجيدة منذ استقلال المغرب و إلى الآن – ربما مغضوب عليها – إذ لا زالت متضررة و لم يعف عنها ولو لتصبح فيها منطقة صناعية هامة و عمالة لقربها من ميناء طنجة و غير ذلك ، وهي كانت مفتاح الوطنيين بين الشمال و الجنوب المغربي عامة و لا زالت مهمشة و شبابها و شاباتها و غيرهم من سكان هذه المدينة الغيورة متطلعين دائما إلى العلياء بشواهدهم و تكويناتهم العلمية و الأدبية و القانونية و غيرها من المدن المهمشة و المنسية بوطننا الغالي الذي نتمنى لكل هذه المدن الإلتفافة المولوية السامية بعد ارتفاع جائحة( كوفيذ) كورونا قريبا بحول الله و قدرته العلياء .
هذا وقد كانت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان المناضلة الفدة و الغيورة السيدة : أمينة بوعياش في بداية هذه السنة أخبرت بأنه سيتم الإفراج عن مطالب الضحايا الأنفين الذكر المعتقلين السياسيين السابقين في سنوات الرصاص و الجمر المتقد دون جدوى تذكر رغم الإنتظارات و الإنتظارات و الإعتصامات و التسويفات و الاحتجاجات العديدة منذ سنوات و سنوات عديدة دون جدوى تذكر .
هل الإمكانيات المادية المخولة عليهم و التي بعتثهم من أجلهم المؤسسات الدولية توجهت لجهات أخرى لذلك تعطل تنفيذها لهم لأحقيتهم بها أم ماذا يا ترى ؟! بدل جبر أضرارهم العديدة القاسية و المستفحلة و المعنوية و المادية لهم و الإدماج الإجتماعي ، و التعجيل الفوري بالتسوية المادية و الإدارية لهم و منحم كافة حقوقهم المهظومة و الإعتذار المعنوي لهم من طرف الدولة المغربية أو من يمثلها . وفي هذه المقالة و الدراسة عن حقوق الإنسان الأكيدة ….إلخ …نلتمس و نحث كل الجمعيات الحقوقية الوطنية و الدولية و خاصة المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة و منظمة العفو الدولية المركزية بالمملكة البريطانية و فرع المغرب لهاته الجمعية الكائن بالرباط – المغرب -و على رأسه المناضل الكبير و الحقوقي الجليل و المبرز الأستاذ الوفي السيد : محمد السكتاوي و الإتحاد الأوروبي الذي تجمعه روابط متينة بالمغرب و مناضليه و غيرهم من المسؤولين ببلدنا المغوار على تبني ملفنا من جديد و الدفاع عن حقوقنا جميعا نحن الضحايا الأنفين الذكر و كل ضحايا الإعتقال و التعذيب الجهنمي و الظلم الذي لا حدود له و كذلك نناشد
كل القوى الحية و كل المؤمنين بحقوق الإنسان مساندتنا و مؤازرتنا في معركتنا كثيرا التي طال أمدها و استفحل أثرها النفسي و المعنوي علينا …
القصر الكبير في 23 / 09/ 2021
بقلم : عبدالقادر أحمد بن قدور