الطفلة التي كنتها ” لو كانت الطفولة مكانا ” :غيتة الليتي

13 أبريل 2022

الطفلة التي كنتها ” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتابا وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية

**** حلقات تعدها : أمينة بنونة
في غربتي التي تربو عن العقدين من الزمن لا أستطيع أن أدعي أنني امتلك شيء ،سوى حلمي وذكريات الطفلة التي كنتها ،
الطفلة التي كنتها ،تشكلت من وحي الدروب المتداخلة الملتوية لمدينتي التي ما تلبث أن تنفتح على” الغرسات ” والبساتين التي كان (الواد الجديد ) نهر لوكوس يضمها بحنو ، فلو كانت طفولتي مكانا لما ترددت في السفر إليه لأنه أجمل وأدفا مكان ، لم يكن لنا من مهام فيه غير اللعب والخيال والفرح الذي يتولد من أصغر الاشياء ، ونبكي لأسباب بسيطة كنا نراها مشكلة كبيرة جدا ، نتقاسم اللعب طيلة النهار والسمر بالليل ،ولدت بحي للا عائشة الخضراء ولانني كنت متشبثة بأختي الكبيرة، كنت اترك حيي واسارع في الذهاب الى منزل اختي ،اقطع المسافة مابين للا عائشة الخضراء وحي الطابية ، وكنت دائمة التيه ،انسى الطريق الى منزل أختي ويتكفل الناس بايصالي إليها إلى أن استسلم الجميع للأمر وقرروا بقائي مع أختي التي احتضنني زوجها بابا العماري الرجل الشجرة في عطاءه الذي في كلامه كانت راحة للقلب وثمارا للصدر ، المولوع بالسماع والمديح الدائم الدندنة ، كان حي الطابية يعج بنا نحن الأطفال ، ولكي يتخلص منا أهلنا أرسلونا إلى مسيد صغير “جامع الحداد ” كل ما أذكره انه كان يضم صبيانا إناثا وذكورا ، نجلس على حصير متهالك نحاول كل مرة أن نغير وضعية جلوسنا لنتفادى اثار الضبر على أجسامنا الغضة الطرية ، كانت تتوسط فناءه شجرة شفرجل ، ما أن نجد فرصة حتى ننقض على ثمارها الغير مكتملة النضج نلوكها بأسناننا الصغيرة ولا نعبأ بذلك المزيج ما بين الحموضة والمرارة ،ورائحة الصلصال تنبعث من الألواح ، ورؤوسنا ملطخة بالصمغ التي كنا نمسح ما تبقى من أقلامنا القصبية على شعر رؤوسنا بدعوى أنها تطيل الشعر ،في الأماسي الطويلة كنا نلعب ،أحيانا ننعزل نحن البنات لنلعب لعبة الحبل على ايقاع اغنية وحدت كل بنات المدينة ” للا طامة العالية ” ندير الحبل ببطء حسب ايقاع الاغنية ليتسارع الدوران حينما يرتفع الايقاع ” سيكيد وكيدو كيدو احمييييدو …. مشا يصلي …طاح لو وليدو “” وليزيد ايقاع قفز أجسامنا الرشيقة، وقد ترتفع تنوراتنا ليظهر ما تحتها ونحن ما بين النط ومحاولة اخفاء ما يبدو من أجسامنا ، نمل من الحبل ولجا إلى لعبة الأركان الأربعة “دامي كانديلا ” نتسارع بتبادل الأمكنة ونترك طفلا أو طفلة تائهة بين الأركان إلى أن يستغل تثاقل أحدنا ليأخذ مكانه ، كان صيف مدينتي مناسبة لاقامة الأعراس مناسبة كانت ثتيرنا نحن الصغار وتزيد من حب استطلاعنا ونندس بين المدعوين أو نسارع إلى ساحة مولاي المهدي ما أن يتناهى إلى مسامعنا صوت ” لابندة ” الجوق النحاسي نقف متاملين باعجاب وأفراد جوقها بلباسهم الانيق الشبيه بلباس الشرطة ،أصوات الطبول تقرع والآلات النحاسية ، نتأمل وجوه الرجال يتقدمون الموكب فيما النساء في الخلف تختلط أصوات الغياطة بالجوق النحاسي وزغاريد النساء ، وعجل مغطى بسبنية مزركشة صفراء ينقاد وراء الجوق وقد يتمايل برأسه على ايقاع الأهازيج وهو لا يدري مصيره ،تلك الأعراس كنا نقلدها ونلعب دور العريس والعروس ، كنت أفرض نفسي في دور العروس وأختار ياسين الحلوفي الذي كنت انجذب إليه لوداعته عريسا لي والمرحومة حنان حلحول ونعيمة بوقاع وفاطمة ونجاة وصيفات لي ، تزغردن بينما أسدل بأهدابي كما تفعل كل عروس خجلا
رمضان هو الشهر الذي كان يسمح لنا اللعب ما بعد الإفطار إلى وقت السحور تنمحي سلطة الليل ويصبح الزمن ملكنا ، ننتظر مرور الطبال لنتحلق حوله وكأنه جاء من كوكب آخر نعترض طريقه ويتفادانا ويسرع الخطي ،نهرول خلفه لا ندرك المسافة ولا الأمكنة التي مرررنا بها الا أن ننتبه أننا وصلنا الى “جامع الكبير ” ليعترينا خوف عقاب الأهل لكن القائد والحامي والمحرض كوكبتنا ” ولد حسنا” بوجوده نعود جريا إلى بيوتنا
الطفلة التي كنتها جزء غير يسير من حياتي مر بجبل طارق حيث كانت تقيم المرحومة أمي ، أسافر إليها لأجد عالما آخر وأناس آخرون يرطنون بلغة لم أكن استوعب إلا القليل منها ، نادية طفلة في مثل سني كانت تأتي هي الأخرى من طنجة عند أسرتها كنت أجد الأنس بقربها ربما نفس الإحساس كان يعترينا معا أننا نختلف عن هؤلاء الناس ،أقارن بين أحياء مدينتي وشوارع هذه المدينة التي نبتث في حجر صخرة ، شوارع نظيفة ،بينما دروبنا الضيقة تعج بقشور التين الشوكي والدلاح والفئران الميتة ، من الذكريات الموشومة في ذاكرتي بجبل طارق ،كنت أتابع مشهدا لشاب وشابة متعانقين يتبادلان القبل ،المشهد الذي جعلني أتابعه مشدوهة وأنا أسير لم أنتبه إلى أن سقطت وسببت لي تلك السقطة رضوضا في جسمي لم تندمل لمدة طويلة ……

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading