
بقلم : عبد القادر الغزاوي .
الاعتقاد الخاطئ السائد أن إسم أبي
علي بن خلف بن غالب لشخص واحد له قبران . واحد في مدينة القصر الكبير والآخر في مدينة فاس .من خلال مطالعتي لبعض كتب التاريخ المغربي والتراجم ، وخاصة تاريخ مدينة القصر الكبير وأوليائها وأعلامها رجالا ونساء ، ومآثرها التاريخية والعمرانية .
وعند قراءتي لكتاب ” المغرب المجهول ” تأليف أوجست مولييراس ، قرأت في الصفحة رقم 416 ما يلي : ( … وبخصوص المآثر الدينية ، هناك عشرات المساجد والزوايا ، ومن أشهرها زاوية سيدي عبد الرحمان المجذوب وزاوية سيدي علي بوغانم ، ( هكذا ) ، وهذا الأخير هو سيد القصر الكبير ، لكنه مدفون بفاس ، أما الأول فمدفون بمكناس الزيتون . ) ( 1 ) . إن هذا القول خاطئ وليس صحيحا ، وأن إسم ( سيدي علي بوغانم ) ليس صحيحا ، والصحيح هو سيدي علي بوغالب ، كما هو معروف لدى أهل مدينة القصر الكبير ، وإسمه الكامل هو مولاي أبو الحسن علي بن خلف بن أبي غالب القرشي الأنصاري الشلبي الأندلسي . وأنه ليس مدفونا في مدينة فاس ، كما جاء في تلك الفقرة ، وإنما هو مدفون بمدينة القصر الكبير .
فقد وقع إلتباس في التفريق بينهما . وأن كتب التاريخ المغربي وأوليائه ، تخبرنا أن هناك شخصيتين من أولياء الله الصالحين ، ولكن إسميهما يتشابهان .
فدفين مدينة القصر الكبير يسمى : 1) أبو الحسن علي بن خلف ابن أبي غالب القرشي الأنصاري الأندلسي .
أما دفين مدينة فاس فيسمى : 2 ) العارف الشريف سيدي علي بن أبي غالب الصاريوي .
1 ـ أبو الحسن علي بن خلف بن أبي غالب القرشي الأنصاري الأندلسي ، الولي الصالح والعالم الكبير والمدرس الموسوعي دفين مدينة القصر الكبير :
فقد ورد في كتاب سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس … الترجمة رقم 426 : الصفحة رقم 28 . ما يلي : ( الثالث : كثير من الناس يظنون أن صاحب الترجمة المذكور هو دفين القصر ، وأن له قبرين ، وهذا الظن باطل ولا أصل له ، بل دفين القصر رجل آخر ، وهو الشيخ الإمام ، العلامة المحدث الهمام ، العارف بالله تعالى ، أحد الأوتاد ، أبو الحسن سيدي علي بن خلف بن غالب الأنصاري ، وقيل القرشي الأندلسي . وقد ترجمه التاد لي في التشوف فقال : ” ومنهم : أبو الحسن علي بن خلف بن غالب القرشي . نشأ بشلب ، وقرأ بقرطبة ، واستقر أخيرا بقصر كتامة ، وبه مات عام ثمانية وستين وخمسمائة ، ويقال : عام ثلاثة وسبعين . ) ( 2) .
وجاء في الصفحة رقم 30 من الكتاب نفسه ما يلي : أصله من شلب ، وبها نشأ وقرأ وتأدب ، ثم رحل إلى قرطبة ، واستوطنها ، وقرأ بها القرآن والحديث وغيرهما ، وصحب العلماء الأخيار والأولياء الكبار ، كالشيخ العارف المحقق أبي الحلم ابن برجَّال وغيره ، ولكن اعتماده في الطريق وشيخه على التحقيق إنما هو : الشيخ الإمام العارف المحقق الكبير أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله الصنهاجي ، نزيل المرية من قرطبة ، ولم يزل ينتقل من موضع إلى موضع ، ودخل في خلال ذلك فاسا ، واستوطنها مدة ، وبها لقيه تلميذه الشيخ أبو مدين ، فلازمه وانتفع به ، وقرأ عليه كتاب ” السنن ” لأبي عيسى الترمذي ، ثم انتقل إلى قصر كتامة وبه توفي سنة ثمان وستين وخمسمائة ، ويقال : سنة ثلاثة وسبعين . ودفن خارج باب سبتة منه ، عن يمين الداخل ، وقبره هناك معظم مشهور . وكان – رحمه الله – من سادة الصوفية المتبعين المقتفين آثار السلف الصالح ، المهتدين بهديهم ، شديد التمسك بالكتاب والسنة ، وكان متمسكا في علوم القوم ، وكان العلماء والأولياء المشاة في الهوى يحضرون مجلسه ، وكان إذا أشكل عليه معنى ، نظر إلى جهة من جهات البيت ، فيجده مسطورا ، وأخبر تلميذه الشيخ أبو محمد عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل الأوسي ـ من أحواز قرطبة ، المعروف بالقصري ، لنزوله قصر كتامة ، المتوفى بسبتة ـ أنه رأى ليلة وفاته في السماء مكتوبا : فقد وتد ! . وممن تعرض لذكره : صاحب ” المرآة ” ، وذكر أيضا : أنه توفي بقصر كتامة ، ودفن خارج باب سبتة ، أحد أبواب القصر . ) .
وقد جاء في كتاب التشوف إلى رجال التصوف . الصفحة رقم 211 . الترجمة رقم 81 ما يلي : ( ومنهم أبو الحسن علي بن خلف بن غالب القرشي : نشأ بشلب وقرأ بقرطبة . واستقر أخيرا بقصر كتامة وبه مات عام ثمانية وستين وخمسمائة . ويقال عام ثلاثة وسبعين . ) .( 3 ) .
أما كتاب جذوة الاقتباس في ذكر من حلّ من الأعلام مدينة فاس . الجزء الثاني . الصفحة رقم 468 ، رقم الترجمة 512 : فيحدثنا بمايلي : ( علي بن محمد ابن غالب الفاسي : علي بن غالب ، أحد فقهاء مدينة فاس ، أخذ عنه الشيخ أبو مدين ، وكان من العلماء . توفي بقصر كتامة ودفن خارج باب سبتة سنة ثمان وستين وخمسمئة . ) ( 4 ) .
2 ـ العارف الشريف سيدي علي بن أبي غالب الصاريوي دفين فاس :
فقد جاء في كتاب سلوة الأنفاس السالف ذكره . الصفحة رقم 21 . الترجمة رقم 425 :
( ومنهم : الولي الصدر الكبير ، الشيخ الصالح الشهير ، ذو الأسرار الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، حجام أهل الله تعالى ، المقصود لكل طالب وراغب ، أبو الحسن سيدي علي – الشهير بأبي غالب – الصاريوي دفين صاريوة : المحل المعروف الآن بالقليعة ، من داخل باب الفتوح بالقرب منها . شوهد لضريحه – رضي الله عنه – كرامات كثيرة ، وتصرفات شهيرة ، وبركات ظاهرة ، وخوارق باهرة ، ولا زال الناس يستشفون به من جميع الأمراض والعاهات ، وسائر العلل والآفات ، فيشفون ببركته ويجدون البُرء بعنايته وسر نفحته ، والأخبار بذلك منتشرة ، وفي سائر الأذهان مقررة مشتهرة ).(5) .
ويعرف هذا الولي عند العامة بلقب ” مولاي علي بوغالب مول القلالش ” .
وجاء في كتاب الروض العطر الأنفاس ( علي الصاريوي : ومنهم الشيخ الكامل الواصل سيدي علي أبو غالب دفين صاريوة (448) من داخل باب الفتوح . ولم نلف له ذكرا إلا في قول صاحب ” المعيار ” . قال : هو الشيخ الولي الكامل سيدي علي بو غالب الصاريوي ، وأظنه قال إن كراماته ميتا أكثر منها حيا فراجعه . ولا شك أن كراماته كثيرة على الدوام واضحة ، وبراهينه لا تزال قاطعة لائحة ، ما قصده ذو عاهة أو جرح أو مرض معي إلا برئ غالبا ، وكثيرا ما ظهر في ذلك من الآيات والعبر ، ولا تزال تظهر على الدوام والاستمرار ، وهو مقصود لذلك كثيرا ، ويأتيه الناس لذلك من سائر البلاد ، ولاو ذكرنا بعض ما نعرف من ذلك وما سمعنا تحقيقا ، لكان فيه طول الكلام ، وجميع أهل فاس يعرفون هذا ، فلا يحتاج إلى تعريف ، وبرهانه قاطع ، وليس الخبر كالعيان ) . ـ ورد في الهامش رقم 448 : ( حومة بفاس استقر بهل بنو صاريوة الذين نزحوا إليها من مدشر هم ( صاريوة ) الواقع بمنطقة بني يازغة بجوار فاس فنسبت إليهم ) . (6) .
وقد أصبح ضريح الولي سيدي علي أبي غالب الصاريوي مزارا مشهورا ووليا معروفا ، حيث ورد في كتاب فاس قبل الحماية الجزء الثاني . الصفحات من 772 إلى 776 . عند كلامه عن الحلاقين ( الحجامة ) أنهم ( ينظمون كل سنة ، في يوم أربعاء من فصل الخريف ، موسمهم الطائفي بضريح سيدي علي بوغالب (36) وليهم . كان المعلمون الرئيسيون ( المعلمين الكبار ) يحددون تاريخ الموسم ويعلنونه بواسطة مناد عمومي ، ليتصلوا بأكثر عدد ممكن من الناس ، بما فيهم القرويون العابرون ) . (7) .
وفي الموضوع نفسه جاء في كتاب الطريق لمعرفة القصر الكبير الصفحة رقم 36 ( ولكي نرفع هذا الالتباس الذي هو موجود بين مدينة فاس والقصر الكبير ، لأن مدينة فاس يوجد فيها ضريح يسمى مولاي علي بن أبي غالب . نقول أن ضريح مولاي علي ابن غالب الموجود في كان صاحبه رجلا وليا صالحا عالما بعلم الظاهر ، وكانت مهنته الحلاقة ( أي حلاق ) ولا زالت العادة في فاس أن كل يوم أربعاء يذهبون لزيارته الحلاقون بفاس ، أما ضريح مولاي علي بن أبي غالب الموجود بالقصر أنه عالم كبير كما سبق أن قلناه (😎 .
أكتفي بهذا القدر من المعلومات كما وردت في مصادرها ومراجعها ، لتسليط الضوء على ذلك الاعتقاد التاريخي الخاطئ والشائع عن شخصيتين من أشهر أولياء الله الصالحين بالمغرب ، وما يمتاز به كل واحد منهما من علم وصلاح وكرامات . وأن لكل منهما أتباعا ومريدين ، وأن لكل واحد منهما ضريحه في البلدة التي توفي فيها ، وهو معروف ومشهور بها . وليس كما كان سائدا أن الأمر يتعلق بولي واحد له قبران . ومن أراد التوسع في هويتهما والاطلاع على حياتهما الكاملة ، فعليه الرجوع إلى كتب تراجم الأولياء ، وكتب التاريخ .
المراجع والهوامش :
1 ـ كتاب المغرب المجهول . تأليف أوجست مولييراس . ترجمة وتقديم عز الدين الخطابي . الجزء الثاني . اكتشاف جبالة . الطبعة الأولى . السنة 2013 م . الصفحة رقم 416 .
2 ـ كتاب سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس . تأليف الشريف أبي عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني . الجزء الثاني . الترجمة رقم 426 . الصفحات رقم 28 و رقم 30 .
3 ـ كتاب التشوف إلى رجال التصوف لأبي يعقوب يوسف بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التادلي عُرف بابن الزيات . اعتنى بنشره أدولف فور . السنة 1958 م . الصفحة رقم 211 . الترجمة رقم 81 . 4 ـ كتاب جذوة الاقتباس في ذكر من حلّ من الأعلام مدينة فاس . تأليف أحمد بن القاضي المكناسي . الجزء الثاني . السنة 1974 م . الصفحة رقم 468 ، الترجمة رقم 512 .
5 ـ كتاب سلوة الأنفاس السالف ذكره . الصفحة رقم 21 . الترجمة رقم 425 .
6 ـ كتاب الروض العطر الأنفاس بأخبار الصالحين من أهل فاس . المنسوب لأبي عبد الله محمد بن عيشون الشراط . دراسة وتحقيق زهراء النظام . الطبعة الأولى السنة 1997 م . الصفحة رقم 225 . والهامش رقم 448 .
7 ـ كتاب فاس قبل الحماية تأليف روجي لوتورنو . ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر . الجزء الثاني . الصفحات من 772 إلى 776 .
8 ـ كتاب الطريق لمعرفة القصر الكبير . تأليف محمد عبد السلام بوخلفة . طبعة سنة 1972 م . الصفحة رقم 36 .
9 ـ كتاب مدينة القصر الكبير تاريخ ومجتمع ووثائق . تأليف عبد السلام القيسي الحسني . الطبعة الأولى . السنة 2006 م .
10 ـ كتاب مدينة القصر الكبير الذاكرة والحاضر .تنسيق وتقديم محمد المغراوي . الطبعة الأولى السنة 2000 م .
11 ـ كتاب مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن . تأليف الإمام أبي حامد محمد العربي بن يوسف الفاسي الفهري . دراسة وتحقيق الشريف محمد حمزة بن علي الكتاني . الطبعة الأولى السنة 2008 م .
12 ـ الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس . تأليف علي ابن أبي زرع الفاسي . راجعه عبد الوهاب بنمنصور . الطبعة الثانية السنة 1999 م .
13 ـ جني زهرة الأس في بناء مدينة فاس . تأليف الجزنائي . تحقيق عبد الوهاب ابن منصور . الطبعة الثانية . السنة 1991 م .
14 ـ كتاب سيدي علي بوغالب في الوجدان الأدبي . تأليف أحمد العراقي . السنة 2011 م .
15 ـ الصورة المرفقة : ضريح مولاي أبي الحسن علي بن خلف بن أبي غالب دفين مدينة القصر الكبير .
القصر الكبير في 05 يونيو 2020 م .