
– لبيب المسعدي :
كان ذلك بعد أن عرضت جمعيتنا تقريرا مصورا عن عملنا الميداني لفك العزلة عن المسنين بمدينة القصر الكبير. بكى خلاله جل الحضور.
سيدتي الوزيرة، هذه رسالة جمعيتنا، رسالة انبثقت من رحم الواقع، وجاءت لنيل شرف محاولة فك عزلة قاسية يعيشها من بنوا بأيديهم صروحَ حياتنا، ثم وجدوا أنفسهم فجأة في غرفة صامتة. تحت أسقف نزل شعبية تفتقد لأدنى ظروف عيش حيوان فما بالكم الإنسان. أو بين جدران دور مراكز اجتماعية بئيسة بتسيير ونظام يكمن لي وصفه كآثار منسي آيل بالسقوط.
كبار السن في وطننا الحبيب يا سادة، يشيخون في هدوء وسط اللامبالاة، يموتون في صمت ولا يشتكون، لأنهم تعلموا أن الشكوى لا تغير من واقع تخلى عنهم. هم أحياء بيننا بأجسادهم، لكنهم يعيشون موت العزلة البطيء. لقد آن الأوان لنسأل أنفسنا: أي مجتمع هذا الذي يترك حكماءه وحيدين في مواجهة العوز والنسيان؟
سيدتي الوزيرة، حسب آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات: تعتمد المراكز الاجتماعية التابعة لمؤسستكم في مواردها المالية على الإحسان بنسبة 50,98%. كما تعتمد معظم الجمعيات الاجتماعية بالمغرب في أنشطتها على المحسنين و على منح هزيلة بل حقيرة يقدمها الفاعل السياسي، وإذ قدمها فبشروط. لذا دعوني اقول لكم. أن المقاربة الخيرية التقليدية، رغم نبل مقاصدها، فإنها تشبه ضمادا على جرح غائر. هي فعل إنساني مؤقت يلملم آثار المشكلة، لكنه عاجز عن كسر جذورها. فالصدقة لا تدفع الوحدة، والزيارة العابرة لا تحل محل الدفء المستمر. لقد فشلت هاته المقارنة في دول أخرى أغنى منا في مواجهة تحدي شيخوخة المجتمع، هاته الآفة التي باتت تهدد نسيجنا الاجتماعي برمته. فحسب تقارير الوزارة المعنية، مع اقتراب سنة 2050، المسنين سيمثلون ربع سكان المملكة، أغلبيتهم بدون معاش ولا تغطية صحية.
آن الأوان لندرك أن تقبيل رؤوس وأيادي شيوخنا لا يكفي. على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في حماية كبار السن، وذلك عبر سن قوانين رائدة تضمن لهم حياة كريمة. تشريعات تحميهم من براثن الفقر والعزلة، وتوفر لهم تغطية صحية شاملة تليق بإنسانيتهم. ومعاشا يعفيهم من مد اليد. نحتاج إلى مراكز إيواء متخصصة تشغل أطرا مدربة في مجال رعاية المسنين، ومراكز للاستقبال النهاري تكون ملاذاً للتواصل والنشاط، بدلا من الجلوس في غرف مظلمة ينتظرون الموت تحت ما يسمى بدور الخيرية.
ولا بد من الاعتراف بدور المساعد الأسري الذي يقدم الرعاية اليومية. فرضا الوالدين وحده لم يعد كافيا في زمن تداخلت فيه الهموم وتعقدت الحياة. إن رعاية المسنين مسؤولية مجتمعية تحتاج إلى دعم مؤسسي وتقدير مادي ومعنوي للقائمين عليها.
جمعية معا لفك العزلة عن المسنين، ليست سوى صوت يعلو من بين الجدران العتيقة لمدينة القصر الكبير، يذكرنا بأن إنسانيتنا تقاس بمدى رعايتنا لمن أعطونا حياتهم ثم وجدوا أنفسهم في شيخوختهم بلا معين. فلنعمل معاً لكسر جدار العزلة، ولنجعل من شيخوختهم غروبا هادئا على حياة كريمة، لا ظلاما يسبق الموت.