د . مالك الطود
الماحيا شراب مسكر مشهور عالميا، اشتهر بين اليهود المغاربة، و استعمله كذلك المغاربة المسلمون بادئ الأمر كمضاد للسعال و لعلاج البواسير، و بعد ذلك كمادة مخمرة.
في المغرب انتشر من المناطق الجبلية و من الواحات حيث يتواجد التمر و التين من جهة و الهشاشة و الفقر من جهة أخرى، ليسود كافة أنحاء البلاد فيما بعد.
يصنع الماحيا بطرق تقليدية بدائية، و يفضل الصانع “الكراب” أن يكون في مكان ذي رطوبة عالية، بعيدا عن أنظار السكان و السلطات، فيتم ذلك في أماكن متسخة كالإسطبلات و الأقبية و الدور المهجورة….و في أواني عفنة لا تنظف بتاتا.
يصنع “الماحيا” من التين أو التمر الرديء الجودة، و الذي لا يقبل عليه الناس في الأسواق، و يتم تخميره في مكان رطب لمدة لا تقل عن أربعين يوما، و أحيانا تضاف خميرة العجين لتسريع عملية التخمير.
تخلط 8 كيلوغرامات من التين المجفف المخمر مع كيلوغرام واحد من السكر في 4 لترات من الماء، و يضاف عليه كأس من اليانسون، و يوضع الخليط في أواني حديدية مثل طنجرة الضغط، التي توصل فتحتها بأنبوب معدني طويل، يمر عبر إناء بارد لضمان عملية التكثيف و التقطير.
و بعد ذلك يتم توزيعها، بيعها و تصديرها لمدن و قرى بعيدة.
ثمن المنتوج يحدد حسب العرض و الطلب و حسب جودة المنتوج المرتبطة بدرجة التخمر و نسبة الكحول في السائل. و يتراوح الثمن بين 400 درهم للقنينة الأصيلة ذات الجودة العالية من الصانع اليهودي البارع، و 20 درهما التي لا جودة لها.
و بما أن العرض أكثر من الطلب، يطمع الكرابة في الربح السريع، فيلجأون إلى الغش في جميع مراحل التصنيع ابتداء من مدة التخمير، و نظافة الأواني و جودة التين أو التمر…..بل يلجأون لأجل رفع درجة التخمر و الكحول بإضافة الكحول و مواد سامة.
بعض أوجه الغش في صناعة الماحيا، هو إضافة البول و الأظافر، و إضافة شفرات الحلاقة مع التين كي يحرر الخليط كميات عالية من الكحول. و يضيفون كذلك مواد التعقيم و مواد تخليط الصباغة مثل “الدوليو” و “الوايت سريريت”، و لا يترددون في إضافة الأقراص المهلوسة لضمان وفاء الزبناء.
قديما كان اليهود يوزعون الماحيا يوزع بالربع لتر “الرويبعات” و يشربونه في كؤوس صغيرة مثل كؤوس “البراندي”، و لا يخلط مع أي مشروب آخر، و ذلك احتياطا لوقوع تسممات قد تؤدي إلى الوفاة.
أما اليوم فتباع بالليترات و تشرب مباشرة من القنينات، و تخلط بجميع المخدرات السائلة و الصلبة.
هذه النظرة الخاطفة على الماحيا، تؤكد أن هذا الشراب مضر بالفرد و بالمجتمع، و هو إرث سام نخر المجتمع و لازال ينخره في مدنه و في قراه، و يقتل صغاره و كباره، و الكلام عن شراب ماحيا فاسد أو ضاعت صلاحيته، إنما هو در للرماد في العيون، لأنه في الأصل فاسد مضر مخمر مسكر باطل، حرام و غير قانوني، و يجب تجفيف منابعه و منابع جميع المخدرات التي ترمي بمجتمعنا كل ساعة و كل لحظة إلى الهاوية.