د . عبد الرزاق الجباري
————
يرى أقطاب السلفية، قديما وحديثا، أن الله موجود في السماء، مستدلين على ذلك ببعض الآيات الكريمات، منها قول الله تعالى في سورة الملك: “أَأَمِنتم من في السماء أن يَخسف بكم الأرض فإذا هي تَمور، أم أمنتم من في السماء أن يُرسل عليكم حاصبا، فستعلمون كيف نذير”. كما يستدلون، أيضا، بحديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن: أين الله، فقالت في السماء.
وأول مَلحظ على هذا الرأي، هو أنه جعل لله مكانا، ومن ثمة حدد له حيزا وحَدّاً، مع أن الله سبحانه وتعالى منزه عن المثيل والمشابه لقوله جلَّ وعزّ: “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”.
ولعل مرد هذا المنزلق العقدي، هو الإغراق في حمل نصوص الصفات على ظاهرها، وإثباتها على سبيل الحقيقة مع أن فيها ما هو وارد على سبيل المجاز. ومن ذلك، الآية المشار إليها آنفا، فالمقصود عند الأشاعرة من السماء فيها، هو العلو وليس الحيز المكاني خلافا لما يتبادر إلى الذهن أول وهلة، تنزيها لله سبحانه وتعالى عن المثيل والشبيه.
وقد استدل الأشاعرة على رأيهم ببعض الآيات، أهمها: “هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم”.
والمتأمل الحصيف لهذه الأية الكريمة، لا شك سيقف على نُتفٍ من الأسرار الكامنة وراءها، فهي تشير بقوله تعالى: “هو الذي في السماء إله” إلى اسمه “الظاهر” الذي ليس فوقه شيء، وبقوله تعالى: “وفي الأرض إله” إلى اسمه “الباطن” الذي ليس دونه شيء، بإشارة قوله سبحانه في آية أخرى: “وهو معكم أين ما كنتم”.
وتأسيسا على هذا التفسير الإشاري، يمكن القول بأن رأي الأشاعرة كان صويبا لمَّا أول “السماء” بالعلو تنزيها لله سبحانه وتعالى، لأنه “الظاهر” فوق كل مخلوقاته من سماء وأرض وغيرهما، وأن رأي السلفية مجانب للصواب، بل إن مضاره على عقول العامة والشباب كبير جدا، خصوصا أمام موجات الإلحاد المبنية على تفاسيرهم في الصفات.