الطفل الذي كنته : شقاوة ذ. عوض بالفقيه

12 أبريل 2022

الطفل الذي كنته ” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتاب وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية
*******

حلقات تعدها : أمينة بنونة

أصيلة 1987الساعة العاشرة و النصف صباحا.. أستيقظ متثاقلا بعد الحفلة الجميلة التي حضرتها البارحة في الهواء الطلق بفضاء باب البحر حتى ساعة متأخرة من الليل، للمغني المصري- الفرنسي جورج موستاكي.. أصوات الغيتارة..الباص…إيقاع الفالس ما يزال صداهم يتردد في أذني بين الفينة و الاخرى.. صعدت إلى سطح المنزل لكي أستنشق بعضا من هواء الأطلسي، لكن ضبابا كثيفا يغطي المدينة هذا الصباح يحول دون وصوله …يبدو أن هذا اليوم سيكون حارا حالما يتلاشى..هذا ما سمعته من الصيادين في مقهى زريرق..
تناولت فطوري بسرعة..شاي..جبن ماعز و خبز شعير..فصديقي أحمد سوف يأتي رفقة ابن خاله لكي نذهب إلى البحر كما اتفقنا البارحة..سألتني الوالدة..كيفاش كانت السهرة ؟ أجبتها: رائعة ..الدونيا كانت عامرة.. وكانوا بزاف ديال النصارى.. جا السفير ديال فرنسا..وبقينا حتى الساعة الواحدة و نوص د الصباح.. ردت علي: بصحتك..ودبا شنو غادي تعمل؟ قلت لها: كنتسنا أحمد باش نمشيو للبحر…ردت بنبرة تحذيرية رد بالك..البحر هايج.. و متعطلشي بزاف..فجأة رن جرس الباب..إنه أحمد..ارتديت بسرعة المايو و خرجت وسط نظراتي قلق من والدتي..
الباسيو مليء بالمصطافين المتوجهين نحو الشاطئ فرادى و جماعات.. أغلبهم من مدن أخرى..فاس..مكناس.. الدارالبيضاء..تعرفهم من لهجاتهم ..أحدهم بتسريحة “كوب طليان” يحمل جهاز ستيريو كبير، و أصدقائه يغنون بصوت مرتفع ..هي لي بيا..مولات الشعور الذهبية..إنها أغنية الموسم…بعض الأجانب يحملقون فيهم بفضول…يبدو أنهم غير معتادين على هذا النوع من الرقص..همست في أذن صديقي مازحا: مازلت كتفكر تمشي للخارج؟ رد على بامتعاض و هو يشير بأصبعه إلى أولئك الشباب: نعم..حتى لا أرى مثل هؤلاء الأجناس..
عند المدخل الرئيسي للشاطئ يوجد مطعم لاكسيطا..هو عبارة بناية شيدت في عهد الاستعمار الأسباني..يتوسطها برج أبيض صغير حيث توجد راية صغيرة حمراء على شكل مثلث .. مزاج البحر هذا اليوم سيئ..و يفضل الاحتراس منه..بدأ الرواد يتوافدون على المطعم..أغلبهم من الميسورين و الأجانب..تختلط رائحة الكلامار و الأربيان بالزيوت المضادة للشمس التي تلمع على أجساد بعض الزبائن..قلت لأحمد متهكما: ما زالت كتدهن بالزيت البلدية باش تبين العضلات ديالك؟..أطلق قهقهة و رد على: أنا بعدا عندي شي بركة..أما انت ….سكت قليلا، فقد كنت أفكر في الرد عليه…فجأة أحسست بنار تشتعل تحت قدمي…ألم لا يطاق..بدأت أصرخ بشدة و أنط كالمجنون، بينما صديقاي يحملقان في..لقد دعست بقدمي على عقاب سيجارة مشتعلة رماها أحد المصطافين.. انطلقت كالسهم نحو الماء و أنا أسب بكل القواميس المحترمة و حتى الغير المحترمة..بقيت هنيهة حتى خف بعض الألم، فالتفت إلي أحمد قائلا و كأنه يسدي إلي النصيحة: جيب معك في المرة القادمة شبشوبا..توجد في في الرمال بعض الشوك و قطع الزجاج و علب معدنية صدأة..
الشاطئ مليء بخليط من المصطافين… بعضهم يبدو أنه يرى البحر لأول مرة..معلمو السباحة يمشون في زهو و يستعرضون عضلاتهم ..يصرخون في وجه كل من يتجاوز “البوية الحمراء”..بل قد يتعرض البعض إلى الضرب إذا ما قل أدبه عليهم ..أعرف أحدهم تزوج بفتاة دنماركية و هاجر معها إلى كوبنهاكن حيث يزور أصيلة من وقت لاخر..لم ننتظر طويلا، إذ نزلنا إلى الماء لكي نحتضن أمواجه بعد أن تركنا ملابسنا أمام أجنبي أشقر البشرة و هو يستمع إلى بوب المارلي..تسمع بين الفينة و الاخرى بائع حلوة “جبان”..و هو ينادي على الزبائن “حلي باش تولي”..هكذا مكان شعاره..عدد من المصورين الفوتوغرافيين يحملون كاميرات يابانية و سوفياتية الصنع و صندوقا صغيرا كتب عليه علامة كوداك يبحثون عن زبون لالتقاط صورة أو لاستلام أتعاب صور سابقة.
مر الوقت بسرعة..لعبنا….جرينا..سبحنا..بدأت أحس بالجوع والبرد ،.لكن متعة البحر لا تقاوم..طلبت من أصدقائي أن نرتاح قليلا حتى نسترجع أنفاسنا..قبلا على مضض ..فأحمد لا يريد الخروج من الماء رغم أن لون جلده أصبح يميل إلى البنفسجي..الرمال ما زالت دافئة رغم أن الشمس بدأت تميل نحو الغروب..احتضنتها و غمست دقني ووجنتاي..أحس بدفء يسري في جسمي..ارتخت عضلاتي..أحمد يحدثني عن أمر لم أعد أتذكره..أغمضت عيني..سرحت بخيالي لثوان..ثم نمت..رأيت نفسي و أنا أقفز من سور القريقية- أحد الأسوار البرتغالية التي تطل على البحر في المدينة القديمة- و الأجانب يلتقطون لي صورا..و آخرون يصفقون..أحس بخيلاء.. بعضهم رمى جنيا استرلينيا..لقد غاص في قاع البحر..أحاول النزول للاتقاطه..تبدو المسافة قريبة..اقتربت منه..لكن أحد الأوغاد لكزني برجليه و سبقني إلى الجنيه..أحاول الصعود إلى سطح الماء..تبدو المسافة بعيدة..أحس بالاختناق و التشنج..يبرد جسمي..أتخيل صوت نواح و بكاء… ولدييييي… ولدي مات.. ولدي غرق… أفتح عيني…أجلس القرفصاء… هناك شبحان قادمان نحوي في ظلام الشاطئ دامس..صوت الموج يختلط بصوت النواح..يقتربان شيئا …. إنها الوالدة.. ترتدي جلبابا.. و تنتحب.. ولدي مااات… و أحمد يهدأ من روعها و يقول : لاااا.. هاهو فايق.. راه كان غير داه النعاس أ خالتي….

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading