سلاما أصدقائي سلاما (7)

4 نوفمبر 2022

ذ . إدريس حيدر

فالذين لم يتشبعوا و يقتنعوا بالأفكار القوية و مضمون المناقشات الثرية و الغنية التي كانت سائدة آنذاك في كل أرجاء المعمور ، اختاروا بعد تخرجهم الانتماء لوزارة الداخلية ،العدل ،الشغل …الخ ،بغية ممارسة السلطة التي كانت تستهويهم و انتسبوا لاسلاك الإدارة ذات الصلة ،و امتهنوا وظائف : القائد ،القاضي ،مفتش الشغل و غيرها .
فيما الباقي الذي اقتنع بالقيم الفضلى و بالنضال من أجل كرامة المواطن و رفعة الوطن ،اختار العمل أساسا في وزارة التعليم و اصبح مدرسا و بالتالي ظل ملتصقا بعالم المعرفة ، أو لبس الجبة السوداء كمحامي بهدف الدفاع عن المظلومين و صيانة حقوق الإنسان في البلاد ،دون أن أنسى من اختار الانتماء إلى مجالات أخرى تعتبر هي الأخرى رافعة للتنمية في البلاد كالهندسة أو الطب…الخ.
و كنت كلما التقيت أحد الأصدقاء الذي أصبح رجل سلطة و هو يرتدي بذلته السوداء و ربطة العنق بلون متناسق معها ،إلا و ذكرته بتلك الأيام الخوالي ،حين كنا ننتشر في الحقول كالجراد لالتهام غللها ، فيضحك ملئ شدقيه.
مر الزمان سريعا ،و تبوء بعض من أصدقائي، مراكز متقدمة و رفيعة سواء في أسلاك الإدارة أو التعليم بكل تصنيفاته ، أو قيادة هيآت ثقافية و حقوقية وطنية .
بل أصبح بعضهم قادة و معتقلين سياسيين ،مما يفيد اندماجهم في الفعل النضالي الوطني .
و بالرغم من مرور ردح من الزمان عن هذه الوقائع ،إلا أن ذاكرتي لازالت ترتد بين الفينة و الأخرى إلى الوراء لتتذكر بعض الأصحاب و مصيرهم .
ف” الجن ” أصبح و منذ مدة طويلة مستخدما في إحدى الفنادق الشعبية بمدينة ” طنجة ” ،و ” الطويهر ” تقاعد من الجدية، و ” اشليح ” تقاعد هو الآخر من عمله بوزارة المالية ، ” العرائشي” توفي بعد أن غرق في البحر الذي كان يعشقه ، و أما الحكواتي ” الصرصري” فقد أصبح بائعا متجهولا لمادة الحمص المسلوق ،و توفي في ظروف غامضة .
هكذا كبر جيل ما بعد الاستقلال في مدينة شمالية صغيرة و مهمشة .
أجل ،إنها مدينة الفقهاء ،الأدباء من شعراء و كتاب ،الفنانين ،بمعنى أن إجواءها العلمية و المعرفية وفرت و ساعدت أبناءها على تنشئة جيدة و حفزتهم عل الفعل الإيجابي ،المنتج و الناجع.
و بالرغم من الفقر ،الحرمان و الحاجة فإن أولئك الأصدقاء عزفوا جميعا و كل من موقعه سمفونية : التفوق ،النجاح و الخلود .
فسلاما أصدقائي سلاما .

انتهى /…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading