ذ : إدريس حيدر
وبينما انا في المحكمة أتولى القيام بالإجراءات ، رمقت صديق طفولتي ” مصطفىالطائر ” مصفد اليدين ، يرافقه شرطيان، كانا يتوجهان به صوب الحافلة التي تقل المعتقلين في اتجاه السجن المدني.
لاحظتُ أنه تفادى رؤيتي و ادركت انه كان يتحاشى أن يعرف مقربوه فحوى قضيته لذلك كان يتبرم منهم.
” مصطفى الطائر ” كبر و تربى في حي شعبي ، كان وسيما منذ أن كان طفلا ، تقاسيم وجهه متناسقة ، مبسمه جذاب، و شعر رأسه كثيف و غزير و متراص بعناية و كأنه زُرِعَ بعملية جراحية .
كانت أمهات الحي تتداولن همسا بينهن أحاديث عنه ، تسربت لأبنائهن و انتشرت مفادها أنه مجهول الأبوين، و أن أمه الحقيقية و البيولوجية وضعته في المستشفى و اختفت . و أن إحدى المنظفات به و كانت عاقرا تكفلت به .
كانت السيدة ” منانة ” هي من تولت تربيته ، و يشهد الجيران، انها اهتمت به و اولته عناية خاصة و فائقة، بحيث لم تبخل عليه معنويا فأحبته حبا جما ، و ماديا حيث كانت تختار له الملابس الغالية الثمن و تشتري له الأدوات المدرسية الرفيعة ‘: المحافظ الجلدية الجيدة …الخ ، و لا تبخل عليه بحاجة احبها او اختارها ، و بالتالي كان مظهره يوحي و كأنه ابن أسرة ميسورة .
و مع ذلك لم يكن الطفل مركزا في دراسته ، و كان في بعض الأحيان يُصاب بنوبات عصبية من دون سبب أو مبرر بحيث كان يعتدي على بعض أصدقائه بل و يهدد ابويه بأوخم العواقب .
كان يشعر بعدم الارتياح معهما و كأن شيئا ما ينقصه بالرغم من الحياة الهنية و الرغيدة التي كان يعيشها.
كَبُرَ بعض الشيء و بدت عليه مظاهر المراهقة ، فازداد جاذبية و وسامة ، و اصبحت الفتيات في مثل سنه تعشقنه، و وقع إقبال كبير عليه من طرفهن.
يتبع…