سيكولوجيا الوعي

2 مارس 2022

ذة : فاطمة الناجي

يقول المفكر والفيلسوف والسيكولوجي ” ديفيد هاوكينز” في كتابه “على طول الطريق نحو التنوير ” :

إن الأساس النفسي لكل الأحزان واحد هو التعلق ، ويحدث كلا من التبعية والتعلق بسبب شعورنا بأننا غير مكتملين بذواتنا ، ولهذا نبتغي الأشخاص والأشياء والاماكن والعلاقات والمفاهيم لإشباع حاجاتنا الداخلية ..
ديفيد هاوكينز

لتسليط الضوء على التعلق الذي هو آفة خطيرة جدا في حياتنا ، فمجتمعاتنا العربية تقريبا كلها مبنية على الإيجو أو الأنانية التي تربينا ونشأنا عليها ، بشكل عادي جدا لنصطدم بعدها بمشاكل ومعيقات في بيوتنا وعلاقاتنا وحياتنا عموما ، كالعنف والإدمان والنفاق الإجتماعي والكبت… وهذا ليس خطأ الوالدين، لأنهما قاما بكل مايعرفانه وأكثر من أجلنا ، و لأنه ليست كل أم مربية وليس كل أب مربي تربيتنا هي تربية تقليدية بمعنى أن الام والأب اللذان يلدان أبناءا ،قد يكونان مربيان أي لديهما خبرة وإلمام وعلم بالتربية السلوكية الحسنة والمفيدة والصحية لأبنائهما ، والغالبية الساحقة في مجتمعاتنا نجدهم آباء بيلوجيين وليسوا مربين، لأنهم لم يتربوا على يد أخصائي في التربية أو لهم دراية كافية بهذا الأمر ،رغم أنهم أخذوا تعليما عاليا ، ومن تم هم أيضا نشأوا مثلنا في محيط قد يكون سليما نوعا ما وقد لا يكون ، وفي الأغلب الأم هي التي تلقى عليها مسؤولية تربية النشىء، كما قال أمير الشعراء ” أحمد شوقي” في إحدى قصائده الشهيرة :
الأم مدرسة إن أعددتها
أعددت شعبا طيب الاعراق
فالام التي نشأت في أسرة متوازنة والقصد هنا بالتوازن، هو توفر هذه الأسرة على المدارك الروحية والعاطفية والأسرية والأخلاقية بشكل معقول، قد تكون تربيتها لأبنائها تربية نوعا ما سليمة ، والمقياس لمعرفة إذا ما كانت سليمة أو لا بالأساس، في شباب لهم محصلة من حيث الأخلاق والنجاح الدراسي و الأسري والثقافي والمادي لا تشوبهم شائبة ، بالنظر لحياتهم التي تظهر للمجتمع ، نراهم ناجحين غير أن هذا في حقيقة الأمر، ليس مقياسا للنجاح وارتفاعا أو ارتقاءا في الوعي والادراك، لأننا إذا ما ألقينا نظرة على المعيش اليومي لهؤلاء الناجحين ماديا وأسريا وأخلاقيا ووو …، نجدهم غير متوازنين نفسيا ويعيشون في توتر دائم وحياتهم تغلفها الخيبات والمشاكل ، كمثال: نجد رب أسرة أتى من أسرة متوسطة تزوج من زوجة عاملة أو زوجة من وسط عائلي ثري ، لتساعده في تكوين أسرة نوعا ما لابأس بها ،أو اختارها نظرا للضرورة الاقتصادية ،أو إرضاءا لرغبة أحد الوالدين أو المجتمع وليس إرضاءا لاختياره هو ، لأنه وبمجرد حصوله على ما كان ينقصه ، يشعر بعدم اكتمال وفراغ ، قد يكون هذا الفراغ عاطفيا أو وجدانيا أو فكريا … لينغمس في العمل و ممارسة هوايات ليملأ ذاك النقص أو الفراغ الذي يحسه ، فيحاول الاستمرار في حياته ولا يقدر ، لأنه اختار الوسيلة الخطأ ليرضي غروره ، وهو إنسان متعلق بأشياء غير حقيقية بل زائفة ، أوإرضاءا لوالديه المتعلقين به ، ونجد الكثير من هذه الأسر مبنية على النفاق الاجتماعي الكاذب ، يظهرون مالايعيشونه ، تجد صورهم في وسائل التواصل الاجتماعي وكأنهم يعيشون حياة مثالية ، وهم لا يعلم بألمهم ومشاكلهم إلا رب العالمين أو المقربين جدا منهم ،وهذا ليس فيه تعميم ، لكن أغلب الأسر العربية تعيش هذه الحياة إن لم نقل جلها ،فعندما يمل هذا الرجل أول شيء سيفعله سيختار لنفسه عشيقة ، لأن الزوجة التي لا تملأ ذلك الفراغ عند زوجها ، وتعيش في عالم آخر ولا تتشارك وإياه نفس الأحلام والمبادئ والأهداف .. فأكيد أنها ستملأ فراغها بشيء مماثل ، وهنا تكون الطامة الكبرى . بدل أن تكون الأسرة هي المحصنة للزوجين والصلة المقدسة والرابط المتين تصير عبئا على المجتمع ومصدرا لانتشار الفاحشة …
لماذا نتزوج هل سبق لأحدكم ، أن طرح سؤالا على نفسه هكذا سؤال ..؟؟
نحن لا نتزوج لكي نكمل النواقص المادية فينا أبدا، لأن هذه النواقص المادية كالمال والجاه والأولاد والمركز… بمجرد أن تكتمل معنا نشعر بالفراغ والنقص، وهذه من أكبر الأخطاء التي نقع فيها… فالانسان الذي يتزوج لإشباع رغباته المادية فقط وليس الروحية ، لا ينجح في حياته هذا مؤكد ،و مع ذلك لا يشعر بنفسه بخير ، يظهر أمام كل المحيط بأنه سعيييد جدا في حياته ،ومستقر وكل شيء تماما كما يقال عنده كل شيء غير كيتفشش … ، حاول أن يرضي والدته التي فرضت عليه أن يدرس الاقتصاد بدل الأدب الفرنسي واختارت له الزوجة المناسبة بالمعايير المناسبة مثلا ، فكانت الحصيلة هي هذه ، الأم التي تتحكم في أبنائها وفي توجيههم هي أم متعلقة بأطفالها ، والأم التي تفرض على ابنها أو ابنتها الزواج من فتاة أو رجل غير الذي أو التي اختارها(ه) قلبه(ها) هي أم متعلقة ولا تحب أبناءها حبا سليما فالحب ضد التعلق الحب مصدره الروح ،وليس النفس أتكلم هنا عن الحب الحقيقي وليس الغريزي الذي تلفه صفة التملك، لأن ذلك ليس حبا أبدا نابع من الشهوة ، فالتعلق فعلا يفسد العلاقات سواء بالأبناء أو الزوج أو الزوجة أو الأولاد او الإخوة أو الوالدين … هو تملك وتحكم ،يكون ممزوجا بالغرور ، والعلاقات الصحيحة تكون خالية من مثل هذه المعيقات ، والظواهر التي نراها في مجتمعنا يندى لها الجبين فحينما نسمع أم تفضح ولدها أو ابنتها لأنه(ها) أحب(ت) امرأة (رجلا) وتزوجها (ته)بدون رضاها وتصرخ بأعلى صوتها في وسائل التواصل الاجتماعي:” أنا ساخطة عليه (عليها)…” هذه أبدا ليست أما محبة هي أما متعلقة، وهذا مرض يجب علاجه ..، والرجل الذي تزوج من امرأة ولا يريد تطليقها ويخونها مع نسوة أخريات ويؤكد أنه يحبها هو لا يحبها أبدا هو زوج متعلق …..

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading