
- إلياس طلحة، باحث في العلوم الإدارية والسياسية.
في سياق التحولات السياسية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، يُشكّل مشروع مراجعة شروط ترشّح الشباب دون 35 سنة كما ورد في بلاغ الديوان الملكي، خطوة نوعية في مسار إعادة بناء الثقة بين المواطن والسياسة، خصوصا بعد فترة من العزوف عن المشاركة السياسية والانتخابية، التي مسّت فئة واسعة من الشباب، والتي تجلّت مؤخرا من خلال مظاهر التعبير التي قادها جيل “Z” في الشارع وفي الفضاء الرقمي.
فالإرادة الملكية الرامية إلى تبسيط شروط الترشّح وتيسير الولوج إلى الحقل السياسي، تعكس وعيا عميقا بضرورة تجديد النخب وضَخّ دماء جديدة في المؤسسات التمثيلية، فالمشكل في الواقع لم يكن في غياب الكفاءات الشابة، بل في العوائق البنيوية والتنظيمية التي تحول دون مشاركتها الفاعلة في الحياة السياسية والحزبية.
بهذا المعنى؛ يشكل هذا المشروع تصحيحا لمسار سابق وإشارة رمزية قوية في الآن ذاته، فهو تصحيح لأنه يستجيب لمطلب طالما عبّر عنه الشباب المغربي، الذين كانوا يجدون أنفسهم خارج دوائر الفعل الانتخابي، إما بسبب صعوبة الشروط، أو لغياب الدعم المادي واللوجستي الضروري، وهو أيضا إشارة رمزية، لأنه يعبر عن توجه الدولة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، نحو جعل الأجيال الصاعدة في صلب المعادلة السياسية والتنموية، باعتبارها طاقة وطنية لا يمكن تجاهلها في بناء مغرب الغد.
لقد كان العزوف السياسي والانتخابي في السنوات الأخيرة أحد أبرز مظاهر ضعف الثقة في المؤسسات الوسيطة، ولا سيما الأحزاب السياسية التي لم تنجح بما يكفي في تجديد خطابها وآلياتها للتفاعل مع تطلعات الشباب، غير أن مراجعة شروط الترشح وتبسيطها، مع تخصيص دعم مالي يغطي 75 في المائة من مصاريف الحملة الانتخابية، يفتح الباب أمام مشاركة أوسع وأكثر عدلا، ويزيل العوائق المادية التي كانت تحول دون ترشح فئات شبابية مستقلة أو غير مرتبطة بالبنيات الحزبية التقليدية.
إنها خطوة تجعل من المشاركة السياسية حقا فعليا لا مجرد شعار، وتُترجم الانتقال من مرحلة الدعوة إلى التصويت، نحو مرحلة تمكين الشباب من ممارسة الفعل السياسي، والمشاركة في صناعة القرار.
ويأتي هذا التوجّه في انسجام تام مع روح دستور 2011 الذي ينص في الفصل 33 على ضرورة تشجيع ولوج الشباب إلى الحياة العامة، وعلى إحداث آليات خاصة لتأهيلهم للمشاركة السياسية، كما يُترجم مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في الفصل 31 منه، الذي يضمن للمواطنين والمواطنات المساواة في الولوج إلى الوظائف والمسؤوليات العامة.
فالمقاربة الجديدة لا تكتفي بتعديل الإجراءات الشكلية، بل تسعى إلى إرساء مفهوم جديد للحكامة السياسية، يقوم على تجديد النخب، وإدماج الكفاءات، وإعطاء معنى حقيقي للمواطنة الفاعلة.
وما يلفت الانتباه أيضا في المشروع، هو تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لفائدة النساء، وهو ما يندرج في صميم الدينامية الوطنية الساعية إلى ترسيخ مبدأ المناصفة وتعزيز حضور المرأة في مواقع القرار.
بذلك يجتمع في هذا التوجه بعدان متكاملان: تمكين الشباب وتمكين النساء، في رؤية شمولية تجعل من الرأسمال البشري ركيزة مركزية للتنمية والديمقراطية التشاركية، كما دعا إلى ذلك تقرير النموذج التنموي الجديد.
إنها خطوة أخرى في مسار الإصلاح العميق الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس نصره الله، برؤية متدرجة تجمع بين تثبيت المؤسسات وتجديد روحها، وبين الوفاء للمسار الديمقراطي والانفتاح على طموحات الأجيال الجديدة.