– ذ. منير الفراع :
منذ انطلاق شرارة ما بات يعرف باحتجاجات جيل Z بالمغرب، تعالت أصوات البعض ممن لا يزالون يراهنون عن دور يمكن للأحزاب السياسية أن تلعبه في المرحلة الآنية، دور يجعلها قادرة على تهدئة الأوضاع، واحتواء الاحتجاجات، من خلال خطاب سياسي يروم امتصاص غضب الشباب على أداء هذه الحكومة، والالتفاف على هذه الشرارة التي انطلقت من مدن كبرى ثم بدأت تتمدد ليصل نورها إلى مدن أكثر يوما بعد يوم.
إن مراهنة هذه الأصوات التي أغلبها من مريدي هذه الأحزاب مراهنة خاسرة، إذ لا يمكن بتاتا المراهنة على الأحزاب السياسية للعب دور الوساطة أو دور الإطفائي، لما يعرفه المغرب على امتداد أكثر من أسبوع من احتجاجات على خلفية تدهور الخدمات الاجتماعية وفي مقدمتها الصحة والتعليم، هذا ناهيك عن استفحال الفساد في مؤسسات وقطاعات مهمة بالبلاد، جعل جيل Z يعيد استدعاء شعار 20 فبراير ويصدع به في وجه المفسدين: « الشعب يريد إسقاط الفساد ».
إن جزمنا بكون الأحزاب غير مؤهلة بالمرة لاحتواء هذه الاحتجاجات نابع من قناعة تشكلت لدينا سواء كنا ننتمي لجيل Z أو جيل X أو غيره من الأجيال التي عاشت ما يكفي من السنوات العجاف وتعايشت معها، وهي تمني النفس وتحلم بغد لا محالة سيكون أفضل، لتستيقظ كل مرة على خيبة أمل يكون أبطالها دوما الأحزاب المشكلة للحكومة وإن اختلفت مرجعياتها من يسارية أو ليبرالية أو إسلامية، أو غيرها من الأحزاب التي تعاقبت على مسؤولية تدبير الشأن العام للمملكة المغربية، إنما مرده إلى جملة من الاعتبارات الواقعية لعل أهمها:
أولا: هيمنة جيل من الشيوخ على معظم الأحزاب السياسية، وهذا ما يعمق الهوة بين انتظارات الشباب المغربي والأحزاب السياسية، التي لازالت تنظر إلى مغرب الألفية الثالثة نفس نظرة فجر الاستقلال ، بفعل العقليات المتحجرة التي لازالت تتحكم في مسارات الأحزاب السياسية وترسم سياستها لمغرب المستقبل بعقلية الماضي، فالخطاب السياسي لقادة الأحزاب السياسية لازال خطابا مخادعا، وهذا النوع من الخطاب إذا كان قد انطلقى على الأجيال السابقة ، فإنه لا ينطلي اليوم على هذا الجيل؛ وذلك راجع بدرجة كبيرة إلى أن هذا الجيل لم يرفع سقف مطالبه سياسية من قبيل الملكية البرلمانية، أو تعديل الدستور أوغيرها من المطالب السياسية الكبرى، فهذه المطالب بالنسبة له وإن كانت مهمة إلا أن الأولوية الآن تقتضي الدفاع عن مطالب تمس حياة المواطن اليومية، بحيث تظهر نتائجها على واقعه الذي يعيش فيه.
وهذا ما يعجز عنه شيوخ الأحزاب نظرا لاتساع الهوة العمرية بينهم وبينه، فهم شيوخ الشعارات وسادتها، وجيل Z جيل المشاريع التي ينبغي أن يظهر أثرها ملموسا على الواقع، وشتان بين جيل الشعارات وجيل المشاريع.
ثانيا: جل الأحزاب السياسية متورطة بشكل أو بآخر في قضايا الفساد من خلال استفادة بعض أعضائها من الريع الذي توفره لهم السلطة التي صارت بأيديهم، والذي يلتهم اقتصاد المملكة ويجعله عاجزا أمام التحديات الاجتماعية وانتظارات الشعب المغربي.
فالأحزاب السياسية بطريقة أو بأخرى تعمل على منح الامتيازات والخدمات للفئات المهيمنة على مراكز القرار فيها كلما أحكمت قبضتها على السلطة التنفيذية، دون مراعاة لأدنى اعتبارات ترتبط بالمنافسة، مما يضيع على الميزانية العامة مليارات الدراهم، التي عوض أن تصب في خزينة الدولة تصب في جيوب أعضاء هذه الأحزاب أو الموالين لها من الداعمين الكبار الذين اختاروا الاستثمار في محترفي السياسة باعتباره استثمارا لا ينطوي على مخاطر كتلك التي قد تنطوي عليها ميادين ومجالات اقتصادية أخرى.
ومن هذه النقطة يمكننا أن نفهم استماتة الحكومة من خلال الأحزاب السياسية المشكلة لها في الدفاع عن سحب قانون تجريم الإثراء غير المشروع.
ثالثاً: فقدان المغاربة على اختلاف أطياف أجيالهم الثقة في الأحزاب السياسية، فهذه الأحزاب لم تقدم لهم ما يمكن أن يعيد جسر الثقة بينها وبينهم، فهي لم تعمل على رأب الصدع بينها وبينهم وإنما عملت على اتساعه وتمدده، من خلال تعميق معاناة المغاربة أو ما بات يعرف بنظرية ” الكيكة”، بعد ذلك التعبير الصادر عن أحد أعضاء جيل Z ، مما يعمق أزمة فقدان الثقة.
إن هذه الأسباب وغيرها كثير من قبيل الشعبوية السياسية، والعجز عن تقديم الحلول والبدائل، وموسمية التواصل الحزبي مع الشباب، وكذا الصورة السلبية المقترنة بالأحزاب للأسباب السالفة الذكر، هذه الصورة التي تفاقمت قتامتها مع هذه الحكومة التي نجحت إلى اعتماد معيار القرابة والولاء في الاستوزار أو في إسناد مناصب المسؤولية، بدل معيار الكفاءة والاستحقاق والقدرة على التدبير وإيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها المغرب ويكتوي بنارها المغاربة… تجعل هذه الأحزاب غير قادرة على لعب دور الوساطة أو احتواء هذه الاحتجاجات. ذاك أن هذه الاحتجاجات ليست على الحقيقة سوى احتجاجات على هذه الأحزاب وثورة عليها، إذ هي سبب مآل إليه الوضع نظرا لعدم امتلاكها مشروعا سياسيا عقلانيا متكاملا.