
_ بقلم : ذ. ادريس حيدر
لقد تتبع الرأي العام المغربي ، بكثير من الإعجاب و الانبهار و العطف ، نزول آلاف الشباب ، إلى شوارع جل المدن المغربية ، رافعين شعارات تتعلق بإصلاح التعليم و الصحة و إقرار عدالة اجتماعية .
هذه الاحتجاجات جاءت بتسمية غير مسبوقة و غير عادية : Gen Z. 212.
و هي مولود تأسس و تكون من خلال مناقشات هؤلاء الشباب عبر العالم الافتراضي .
فما هو إذن جيل ” زد” « Z »؟
انطلقت حركة جيل “زد” « Z » على خلفية تنظيم مجموعة من المسيرات بمناطق قروية بالمغرب مثل : آيت بوكماز ، و آيت عباس و أوربيع قرب بني ملال و بني عروس ، طالبت برفع العزلة و تحسين الخدمات ، خاصة الصحة ، إضافة إلى الاحتجاجات التي شهدها مستشفى الحسن الثاني بمدينة أكادير في ؛14~سبتمبر ، إثر وفاة ثمانية نساء أثناء الولادة ، و الذي لقبته الساكنة ب” مستشفى الموت”.
و من المعلوم أن عدة دول شهدت في السنوات الأخيرة حركات احتجاجية شبابية تقودها فئة من جيل ” زد” ، مثل : مدغشقر ، نيبال، إندونيسيا، و البيرو
و تعتمد هذه الحركات في نقاشاتها على العالم الرقمي ، في التنظيم و التعبئة ، و تتشابه في مطالبها المتمثلة في تحسين الخدمات الأساسية كالصحة و التعليم و تحقيق العدالة الاجتماعية.
و في المغرب برزت حركة جيل “زد” 212، كجزء من هذا المد العالمي ، و انتقلت من النشاط عبر المنصات الرقمية إلى التظاهر في الشارع .
المقاربة الأمنية :
لقد لجأت الدولة في معالجة هذه الوضعية على المقاربة الأمنية ، فنزلت قوات الأمن إلى الشوارع و حاولت منع وقفات الشباب الذين لبووا نداء مجموعة”جيل زد” ، و نفذت اعتقالات واسعة في صفوفهم ، و قد وُصِفَت هذه العملية من طرف المراقبين ب” المقاربة الأمنية العنيفة و التعسفية ” .
و على ضوء ذلك ، قد يُطرح السؤال التالي :
هل قرار التعامل الأمني مع الاحتجاجات يفيد عدم فهم طبيعة الاحتجاجات ؟
و هل هي محاولة استباقية لتجنب التجاوزات أو الشغب ؟
أم غياب الجواب عن هذه الاحتجاجات ؟
لأن الرد كما هو معلوم يجب أن يكون سياسيا . أي إجابة من طرف الدولة ، و بالتالي فتقديم و اللجوء إلى المقاربة الأمنية ، كان خطأ فادحا ، و ربما زاد في تأجيج الاحتجاجات ، و زاد من التعاطف الشعبي مع الحركة .
مطالب رفعتها أجيال سابقة
إن الحراك القوي الذي تشهده الشوارع المغربية و الذي دعت له حركة جيل “زد” ، عاشه المغرب عبر أجيال مختلفة و بمسميات و سياقات مغايرة وهي كالتالي
– جيل ما بعد الاستقلال مباشرة ، و قد نُعِت بجيل الأحلام .
-جيل الإحباط و هو الذي اصطدم بقوة الواقع و عنفه و الذي سُمِي ب” جيل الأحباط ” ، و كان قد قدم شهداء في انتفاضة الدار البيضاء في :23|03| 1965
– – جيل اليسار الذي أدى ضرائب كبيرة من حريته خلال الحقبة التي اصطلح – عليها ب” سنوات الجمر و الرصاص ”
– جيل حركة 20 فبراير ، التي كانت سببا مباشرا في مراجعة الدستور .
– حركة ” حراك الريف” ، و التي رفع فيها شباب المنطقة نفس المطالب و الشعارات .
إنها صيرورة نضالية حتمية تفيد أن هذا الوطن ولود و لا تنطفئ فيه جذوة النضال .
الغضب الشعبي :
إنه ظاهرة متجددة في المجتمعات الحديثة ، خصوصا عندما يتراكم الخلل في توزيع الموارد و في الأداءات الحكومية و عدم قدرتها على ترسيخ الثقة بين المواطن و المؤسسات .
و في المغرب ، لهذه الظاهرة خصائص متميزة تتعلق بالتركيبة الاجتماعية في مستوياتها الطبقية و الفكرية المتعددة ، و بالنظام السياسي ، و كذلك في العلاقة بين الدولة و المجتمع .
و الغضب الشعبي ، كان دائما في تاريخ الفكر الإنساني ، أسلوبا ثوريا جماعيا ، عبر عنه الفكر الثوري بكونه تشبيكا للحلول الجماعية من أجل تغيير جذري لمواجهة الظلم و الاضطهاد و التمييز و العبودية ، من خلال التنظيم في حركات اجتماعية ، هدفها تغيير النظام الاجتماعي و السياسي و تحرير المجتمع من قيود التسلط عبر التمرد و المواجهة (1).
إن الغضب الشعبي فضلا عن ما سبق ، واع بأزمة التمثيل السياسي و الثقة ، و يعتبر أن ضعف الأحزاب السياسية كنظام وساطة و تأطير مدني و سياسي بين الدولة و المجتمع ، لم يعد قادرا على أداء هذه الأدوار ، بل يرى أن الوسيط مجرد شرذمة انتهازية ، تتوخى الانخراط في كوكبة زبناء و سماسرة النظام النيوليبرالي الافتراسي .
و من تم فإن هذه الحركة تأخذ الحيطة و الحذر و عدم الثقة في الطبقة السياسية التي تطمح إلى الركوب عليها و جني فوائد أغلَبُهَا ريعي .
المساءلة:
خاطئ من يتوهم أن الخطاب الموجه إلى الحكومة الحالية أو الممارسة ، يمكن أن يُنْتِجَ أثره .
ففضلا عن كون هذه الإشكالات متراكمة منذ ما يزيد عن 60 سنة ، و لم تسطع الحكومات السابقة و المتعاقبة حلها ، فإن الحكومة الحالية هي الأخرى ، فاقدة لسلطة القرار السياسي .
و المؤهل لتحمل هذه المسؤولية و المخاطب الأساسي يجب أن يكون نظام الدولة بكل رموزها .
و أعتقد أنه آن الأوان لتفعيل المبدإ الدستوري السامي : ” ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
فلا يُعقل أن تكون السلطات العليا هي التي تضع و ترسم سياسة الدولة ، باعتراف كل الحكومات المتعاقبة و الوزراء الذين تداولوا على المسؤولبة منذ استقلال البلاد ، و الذين يؤكدون أنهم إنما ينفذون و ينزلون سياسة نظام البلاد ، و لا تخضع هذه الجهةً لأية محاسبة أو مساءلة ، بل و يتعامل مع ذوي القرار بكثير من القداسة الغير المبررة
(1) رحيم الطاهري .