
- اد. عبد السلام دخان :
يصنف الرصيف العمومي ضمن عناصر الملك العمومي الجماعي، ويخضع لمبدأ التخصيص للمنفعة العامة، كما حددته المقتضيات القانونية الجاري بها العمل، خاصة تلك الواردة في القانون رقم 57.19 المتعلق بالأملاك العقارية للجماعات الترابية. هذا التكييف القانوني يستدعي احترام قواعد خاصة في التدبير والاستغلال، ويحد من إمكانية التصرف فيه بأشكال تفويتية دائمة أو مؤقتة تفتقر إلى المشروعية أو تتعارض مع المصلحة العامة.
تشهد بعض المجالس الجماعية ممارسات متمثلة في الترخيص لأشخاص ذاتيين أو معنويين باستعمال الأرصفة العمومية لأغراض تجارية أو مهنية، وهو ما يستدعي التدقيق في الإطار القانوني المؤطر لهذه الوضعيات.
يعد الملك العمومي، وفقا لما تقرره المقتضيات القانونية الجاري بها العمل، غير قابل للتفويت أو التأجير، إلا في نطاق ضيق وتحت شروط خاصة تحددها النصوص التنظيمية المعمول بها. والذي يقتضي أن يكون كل استغلال لهذا الملك مرخصا فيه، ومعللا بغاية ذات نفع عام، شريطة عدم الإضرار بحقوق الغير أو المساس بها. ومعنى ذلك ان “الاستغلال” المؤقت للملك العمومي يظل وضعا استثنائيا، ينظم بمقتضى ترخيص إداري قابل للإلغاء في أي وقت، ويخضع لمراقبة صارمة من قبل السلطات المختصة، حرصا على احترام النظام العام وضمان سلامة الراجلين وحرية التنقل. وقد أرست محكمة النقض قواعد قضائية تؤكد أن الأرصفة تخصص في الأصل لحركة العموم، وأن تحويلها إلى أغراض ربحية دون سند قانوني صريح يعد خرقا للوظيفة الأصلية للملك العام. وفي هذا السياق، يكتسي موضوع إحداث الولوجيات لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة أهمية قانونية واجتماعية بالغة، إذ تندرج ضمن الحقوق الأساسية المكفولة بموجب القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها. ويرتب هذا القانون التزاما على عاتق الجماعات الترابية والسلطات المحلية بتهيئة الفضاءات العمومية، بما فيها الأرصفة، بشكل يضمن سهولة الولوج والتنقل الآمن والمستقل. وهو ما يستوجب احترام المعايير الهندسية والتقنية اللازمة لتأمين كرامة هذه الفئة وضمان ولوجها المتساوي للفضاء العمومي.
إن تخصيص جزء من الأرصفة العمومية لفائدة أصحاب المحلات التجارية أو الأنشطة الاقتصادية يجب ألا يتم على حساب الحقوق الجوهرية للأشخاص في وضعية إعاقة، الذين يكفل لهم الدستور المغربي في فصله 34 حماية خاصة ضد كل أشكال الإقصاء أو التمييز. وعليه، فإن ضمان الولوجيات يعد ترجمة عملية لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليه قانونا. وتتجلى أهمية السلطة الوصية، في الحرص على التطبيق الصارم لهذه المقتضيات، لا سيما من خلال المراقبة القبلية والبعدية لقرارات المجالس المنتخبة، وضمان مطابقتها لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، والذي خول السلطة الوصية صلاحيات واضحة في رفض أو إلغاء المقررات التي تشكل خرقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية. وفي هذا السياق، فإن الحرص على تحرير الفضاء العمومي من مظاهر الاحتلال غير المشروع لا ينبغي أن يختزل في حملات موسمية أو إجراءات ظرفية، وإنما يفترض سياسة عمومية دائمة ومنسجمة تعلي من شأن تطبيق القانون، وتحمي الملك العام من كل أشكال التخصيص غير المبرر، وتضمن ولوجا عادلا للفضاء المشترك لكل فئات المجتمع، بما فيها الأشخاص في وضعية إعاقة.
إن التدبير القانوني السليم للرصيف العمومي يتطلب احترام الغاية الأصلية لتخصيصه، ومراعاة لمقتضيات السلامة، والولوج، وكرامة المواطن. ويعد التعاون بين المجالس المنتخبة والسلطة الوصية أساسا لضمان حكامة ترابية قائمة على الشرعية، والتوازن بين المصالح العامة والخاصة، في إطار يحترم القانون، ويكرس الفضاء العام كحق جماعي ومرفق عمومي لا يجوز التعدي عليه أو تخصيصه خارج الضوابط القانونية.