
بقلم : لبيب المسعدي
سيمشي الرجل اليوم بين الجموع بوقار زائف أكثر من أي يوم مضى، كأن الحكم بالبراءة قد غسل يديه من كل شبهة. القضاء المغربي أنطق كلمته، ونحن! بين احترام المظهر وعظم الجوهر.. نعلم أن الحقائق تختبئ وراء مصطلحات محكمة. فالأدلة كانت هناك، والفضول العام يعرف خبايا الأمر، لكن الأشباح تحت القبعات القضائية تعلم ما لا يعلمه العامة.
والصحف الصفراء وتدوينات المنافقين ستنشر خبر البراءة بعد أن نشرت الاتهامات أمس، كل يبيع من القصة ما يناسب زبائنه. والمرتزقة من كتاب الوباء العقلي ينقضون على الحكم كالذئاب، بعضهم يحمل نار التشهير، وبعضهم يحمل ماء التبرئة، وكل يروي روايته بحسب من يدفع حسب حساباته الخسيسية.
والمدينة؟ المدينة كعادتها تصمت صمتا يشبه الموت.
النخب تتغافل، وأبناؤها يتغامزون في المقاهي، يعرفون الحقيقة كما يعرفون وجوههم في المرآة، لكن لا أحدا يتكلم. الكل ينتظر غيره ليبدا، والكل يخاف أن يكون الوحيد الذي يصفعه العار وحده.
في هذا المشهد المزري، نسأل:
– أين كانت الصحافة الحقيقية عندما كانت الحقائق تخنق خلف الأبواب المغلقة؟
– أين كان المجتمع المدني اللامنتمي عندما كانت الأرقام تزيف في ضوء النهار؟
– أين كانت النخب المثقفة عندما كان المال العام يسلب والمدينة تبكي؟
هذه المدينة التي تتأرجح بين اليأس والبؤس الفكري والأمل، تحتاج اليوم حقا إلى صلح مدني يجمع شتاتها. ليس الصلح تنازلا عن الحقوق، لكنه إدراك أن الحرب الأهلية بين الهيئات والمنتخبين لن تبني إلا ركامًا من الكراهية. نطالب بالشفافية، لكن بحسن نية. نريد محاسبة، لكن بعدل غير انتقائي. فالاختلاس لا يكون جريمة حين يفعله “أصحابنا”، وبراءة مشبوهة حين يفعله “أعداؤنا”.
ولكن، أيها النخب التي تجثم على صدور المدينة ككتل من الحقد المتجمد:
كفوا عن أن تكونوا كعصي المزابل، تعلقون بعجلات المبادرين فتعطلون حركتها! راجعوا أنفسكم واستحييو من اسرار ماضيكم التي يعرفها الجميع، لستم حراسا للقيم، بل قيودا تصرخ كلما حرك الحي ساكنا. كفوا عن تسويق الحقد بألفاظ براقة، فالشعب ليس بلها! كونوا جسورا للبناء، لا حفرا في طريق التنمية وفي أحلام بعضكم البعض.
اليوم نطالب بأكثر من براءة قضائية:
– بصحافة تكشف ولا تشهر،
– بمجتمع مدني يحاسب ولا يعرقل وينتقم،
– ونخب ترفع المدينة ولا تحقد على أبنائها.
– بأفراد لا تتركك الساحة فارغة بغيابها عن صناديق الاقتراع
فإن لم نكن نحن من يدفع الثمن اليوم، فإن أبناءنا سيدفعونه غدا. والحق لا يموت، لكنه قد ينام إلى أن يأتي قوم لا يخافون في الحق لومة لائم. فليكن هذا الحكم كصفعة تذكركم في أي بلد تعيشون. و كنهاية لعهد الوسائط الملتوية، وبداية لعهد جديد تكون فيه المدينة هي الحكم الأعلى.
أقول والله أعلم : أنتم يا أبناء الأرض المثقفون من عبّد طريق المسؤلية أمام رجل اعترف بجهله باكيا أمام المحكمة.