
بقلم : حمزة الصمدي
ربما قد يتأكد لدي، إن الغاية الأولى من الابداع -للمبدع- هي قدرته على طرح أسئلة تعكس قلقه اليومي، وأفكاره الصادقة، غير المنتقاة أو المزينة أو الهجينة بما يجب عليه فعله، وما لا يجب عليه فعله، يتحول الإبداع هنا ليصبح فعلا مقاوما، رافضا لأي نوع من الوصاية. وهذا أمر يبدو ظاهريا سليما. لكن يختلط الأمر، وهو حصر في بلادنا للأسف وأمر غير صحي مطلقا، عندما يصبح المبدع قسرا، منظما، ومشرفا وتقنيا وحارسا على شكل إبداعه.
عندما نحاول ربط الفكرة بالواقع، في مدينة انكمش فيها معنى الإبداع إلى حدود الذاكرة والنوستالجيا. يصبح الكلام عن مهرجان فني، كالكلام عن طائر نادر، أو واحة ظليلة، ككلام عن تجديد حياة في جسد ثقافي يغرق في الصمت القاتل. لهذا فالنقد هنا لا يجب أن يحمل كتهمة، بل كأعلى مراتب الحب، كفعل مسؤول، غيور، ومساهم في بناء تقليد فني تشح المدينة له، بعيدا عن التمجيد، والتطبيل، قريبا من السؤال.
ماذا ننتظر من مهرجان في مدينتنا؟ وبماذا نغدق عليه ليكون كما ننتظر؟
من موقع مبتدئ في المسرح، وبتجربة جد متواضعة في الحقل الثقافي، التي أدرك جيدا أنها لا تزكيني لأنتقد كبار الفاعلين في الساحة الفنية، ممن كتبوا تاريخهم بكل فخر، في زمان كان من الصعب اقتراف إبداع ما، لكن أسجل صوتي الذي هو جزء من همي الثقافي، لا للنيل أو التبخيس، بل للتشجيع، بكل رغبة في مدينة أجمل.
إن المعطى الثقافي بمدينتنا، كما يبدو لي، يفتقد لتنظيم وهيكلة متكاملة، ويحتاج إلى مد خطوط مثينة للتواصل والتنسيق بين كل المشتغلين في الحقل الثقافي، والاشتغال على أرضية وحدوية لا تتبنى جهة معينة، بقدر ما تروم إلى تمثيل المدينة من داخل المدينة. ثم إن دار الثقافة التي أغلقت أبوابها في وجه مبدعي المدينة، أول مؤشر على الفراغ الذي أصبحنا نرضى أن نعيشه. وربما يجب أن تكون أول نقطة التئام كل الغيورين على الفعل الثقافي بالمدينة، لتجميع الصوت وتوحيد الهدف، وهو فتح دار الثقافة لجمهور المدينة قبل مبدعيها.
لا يمكننا إنكار أن ظروف تنظيم بعض المهرجانات والموارد الإبداعية المسخرة لذلك، لا تلبي أفق انتظارنا كجمهور يستحق الأفضل، وإن بعض الفجوات في البرمجة أو المكان أو الفعاليات الأكاديمية والفكرية، أو الأوراش التكوينية المصاحبة، تؤثر على جودة وعمق التجربة الفنية، وكلها مكامن من السهل تنميتها وتجويدها، من منطلق العمل الوحدوي.
لكن لا يمكننا كذلك جحد الرمزية والقيمة الفنية التي تخلفها المهرجانات، كونها مناسبة لإعادة إنتاج التواصل الثقافي بين المبدعين فيما بينهم، وبين المبدعين والجمهور، حيث إنه في غياب صرح ثقافي بمدينتنا، يصبح المهرجان صرحا يحف بين حوافه كل شركاء ورش ثقافي كبير. الواضح إن دعم أي تظاهرة فنية، هو مسؤولية مشتركة، يجتمع عندها السياسي، الجمعوي، والمبدع، وكل الفاعلين الرسميين، باستحضار النقد وعده جزءا مركزيا من العملية الإبداعية، شرط أن يلعب الدور البناء. والواجب أن نؤمن بأن المهرجانات أدوات لا غنى عنها، لفتح آفاق متجددة للفن، والمساهمة في ربط المواطن مباشرة بالعملية الإبداعية، وشحد كل البرامج التصحيحية المصاحبة، التي تلبي وتشفي ضمأ القصريين، وتزامن تطورات وتغيرات الفعل الثقافي الوطني.
لأن المدينة تستحق، أمد يدي لأي عون، ومساعدة، أو تطوع، والانخراط الميداني لجعل المهرجانات الفنية بالمدينة، محطة لا غنى عنها لبناء نواة ثقافية قصرية فريدة، تجعل من الغنى الثقافي والثراثي للمنطقة، منطلقا نحو مدينة مبدعة، كما أدعوا إلى وضع اليد فوق اليد، كل من موقعه، للحفاظ على كل المكتسبات الثقافية وتطويرها وتحسينها