
– د . عبد السلام دخان
في سجل الذاكرة الثقافية والنضالية لمدينة القصر الكبير، يسطع اسم الأستاذ عبد القادر أحمد بنقدور كأحد الوجوه المضيئة التي نقشت حضورها العميق بحبر الصدق والنزاهة. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، اقترن اسمه بالحراك المدني والثقافي للمدينة، في مرحلة كانت فيها الكلمة موقفًا، والثقافة التزاما ومسؤولية. مثّل الأستاذ بنقدور نموذجا للمثقف العضوي المنخرط في فاعلية المجتمع، من جبهة النضال اليومي. كان حضوره في المشهد الثقافي حضورا أصيلا، يرسّخ قيم الحوار والكرامة والعدالة، ويساند المبادرات الجادة بلا تردّد، ويسهم في نشر الوعي كما لو كان ذلك قدره الشخصي. جسّد الأستاذ عبد القادر أحمد بنقدور في مسيرته النضالية والثقافية قناعة عميقة بأن الثقافة فعل مقاومة، وبأن الكرامة حقا إنسانيا أصيلا. كان صوتا للحقيقة، وضميرا يقظا، ورفيقا عزيزا لعدد من الأدباء والمثقفين الذين وجدوا فيه السند والقدوة. لكن خلف هذا الحضور المشعّ، مسارٌ طويل من الألم والصبر. فقد كرّس الأستاذ عبد القادر أحمد بنقدور حياته للدفاع عن ضحايا سنوات الرصاص، وكان مناضلا شرسا من أجل الإنصاف والعدالة. تعرّض للاعتقال والتعذيب، وحُرم من حقوقه الإدارية والمهنية، بل وتعرّض للعنف حين طالب بإنصافه. ورغم كل هذا، ظل وفيًّا لمساره، شامخا مثل جبل لا ينحني. بيد أن تراكم القهر والإهمال نال من همة الرجل صحيّا ونفسيّا، إذ في شهر يوليوز 2024، أُصيب بجلطة دماغية أثّرت على قدراته الحركية والنطق، وما زال يخضع للعلاج والترويض، يصارع بصمت، كما كان دوما، بعيدًا عن الأضواء.
تأتي اليوم مجددا دعوةُ المجتمع المدني بالقصر الكبير، واصواته الحرة من اجل العمل على تكريم المناضل عبد القادر أحمد بنقدور اعترافا بما بذله من عطاءٍ صامت، وبما مثّله من ثباتٍ على المبادئ رغم تقلبات الزمن. الرجل الذي وهبَ حياته ثراءً للفكر ووهجا للقيم، يستحقُّ أن يُحتَفلَ به وهو بيننا.
إن مشروع هذا التكريم هو في جوهره تكريمٌ لجيلٍ كاملٍ من المثقفين المناضلين، ولحقبةٍ تاريخيةٍ كانت الكلمةُ الحرّةُ فيها شمعةً تُضيء دروبَ التحرر. وهو أيضًا دعوةٌ لإحياء القيم النبيلة التي تتهاوى اليومَ تحت وطأة الضوضاء الزائفة.