– ذ : عبد الرؤوف الزكري
علاقة المتعلمين بمادة الفلسفة يشوبها النفور، والكثير من سوء الفهم. يتجلى ذلك في كثرة النكت التي تتخذ الفلسفة وأساتذتها موضوعا لها، وكثرة الغياب لحصصها. وهو واقع يذكرنا بوضعية الفلسفة إبان مرحلة دار الحكمة في فترة المامون، وتعاطي المسلمين لها ترجمة وشرحا لما أنتجه اليونان، موطن نشأتها، وما كان يعانيه المنشغلين بها من غربة. مما حذا بهم إلى اعتزال المجتمع و ما قد يصدر عنه من قذى يصيب كبرياء الفيلسوف قبل عينيه.، وما تدبير المتوحد أي المنعزل لابن باجة، عنا ببعيد.
وكثيرا ما كان يلجأ أساتذة المادةإلى ركوب موجة الأنشطة الفنية والثقافية لبلوغ إلى وجدان التلميذ، كمدخل إلى تنمية الفكر النقدي، وملكة السؤال والتأمل، التي تمثل أعمدة الفلسفة. ولا زالت أجيال تتذكر الأندية السينمائية كنقطة ضوء، حافظ على فتيل توهجها أساتذة الفلسفة خصوصا. واختار آخرون باقتطاع مساحة زمنية وجعلها منبر للتعبير الحر، يستمتع فيها المتعلم بقول ما لا يسمح بقوله في غيرها من الحصص، والتفاعل مع بوحه، وإيلائه القيمة التي يستحقها، فتثمين المقول، تثمين للقائل، فتغدو الحصة فرصة للتداعي الحر يحرص الشاب على عدم انفلاتها. وهو السلوك ذاته الذي سلكه كبار الفلاسفة المسلمين، الذي جعلوا من الرياضيات والفلك والطب و غيرها من العلوم، خيمة يستظلون بظلها من لظى ألسنة السوء، لما كان لهذه الفنون من حظوة، في وقت كان التحريض ضد الفلاسفة على أشده.
ولقيمة التفكير الفلسفي التنويري الذي تبشر به الفلسفة، أولت منظومة التربية والتكوين أهمية بالغة للمادة، يكفي أنها موضوع في الامتحان الوطني، لكن النفور ما زال سيد الموقف، ومازال الغياب يسجل أرقاما مرتفعة في فصولها الدراسية. مما يجعل الحاجة ملحة إلى استلهام تجارب أساتذة رواد، كان الدرس الفلسفي أيامهم في أوج ازدهاره. ولا زالت الأجيال تتحدث عن لمع منها: الأستاذ كوزة رحمه الله، والأستاذة سمية نخشة بارك الله في عمرها.