د .عبد السلام دخان
صدر عن دار الفاصلة للنشر بطنجة الطبعة الثالثة من كتاب “مفهوم الصورة في كتاب البيان والتبيين للجاحظ” للدكتور محمد العناز. يتناول هذا الكتاب مفهومي البيان والتبيين من منظور نقدي وبلاغي، كاشفا عن عمق رؤية الجاحظ في تحليل الخطاب العربي من خلال أمثلة أدبية حيّة. ولا يكتفي بتوثيق النظريات، بل يقدّم إطارا منهجيا يُغني البحث النقدي المعاصر، ويؤكد أهمية التراث البلاغي في فهم تحوّلات الأدب والهوية الثقافية. وقد خصّ استاذ الأجيال الأديب الراحل محمد أنقار هذا الكتاب بكلمة جاء فيها: “هذه دراسة جديدة حول جانب من التراث العربي القديم. يتجلّى التراث من خلال كتاب ‘البيان والتبيين’ للجاحظ، في حين نتجلى الجِد في تشغيل معيار الصورة. والواقع أن اختيار الجاحظ نموذجا ثانويا للنقد المعاصر من شأنه أن يطرح أكثر من سؤال، من ذلك على سبيل المثال: ما جدوى معالجة كتاب من كتب الجاحظ في هذا الزمن المعاصر الذي يتطلع أهله نحو المستقبل أكثر مما يلتفتون نحو الماضي؟ أرى أن السؤال معقول، والمشروع أيضًا. ذلك أن سؤال الحاضر والمستقبل غدا مُلحًّا مثل غيره من الأسئلة التي تؤرقنا راهنًا، لكن من حسن الحظ أن أدب الجاحظ يتمتع بقدرة خارقة على اختراق العصور والحقب.”
يُعدّ هذا العمل إسهاما نوعيا في الحقلين البلاغي والنقدي، من خلال تحليل معمّق لمفهوم الصورة وآليات تشكُّلها في أحد أبرز نصوص النثر العربي التقليدي، وهو كتاب البيان والتبيين الذي يُعد منجزا نثريا رفيعا في ذاكرة البلاغة العربية والنقد الأدبي. ويكشف كتاب الدكتور محمد العناز عن عمق الرؤية البلاغية والثراء الفكري الذي تميّز به الجاحظ، الذي طرح إشكاليات نقدية دقيقة لا تزال موضعَ نقاش أكاديمي حتى اليوم. ولا يقتصر العمل على تفكيك الخطاب الجاحظي فحسب، بل يقدّم أنموذجا لكيفية تأويل التراث عبر أدوات البحث العلمي الحديثة، مُبرِزا قدرة المقاربات التأويلية المعاصرة على تجديد القراءة وإنتاج معرفة تسهم في حوار مع الموروث برؤية نقدية متوازنة.