وداعا الصديق الشاعر نور الدين الدامون

27 مارس 2025

د : حسن اليملاحي


أعترف بأن شعرت بحزن كبير وأسى عميق عندما علمت بخبر وفاة الصديق والشاعر سي نور الدين الدامون من خلال شقيقه العزيز مصطفى الدامون . لم يكن الراحل مجرد صديق فحسب، بل أخا عزيزا، وأن الأخوة التي تجمع بيننا تتجاوز جغرافيا الإبداع والثقافة والانتماء إلى نفس مدينة القصر الكبير التي زادت من ارتباطنا. إن الجذور الأولى لهذه الصداقة، تمتد إلى صداقات العائلة التي أسست لها منذ وقت مبكر في فضاءات أمجادي القرية والصرح الحضاري الكبير التي تقع على طرف عين من تطفت مركز قبيلة آل شريف. من هنا كانت بدايات الراحل نور الدين الدامون مثلما كانت بداياتنا المشتركة والعائلية. ولن أبالغ إن أشرت إلى أنني أعتز بهذا الانتماء الذي جمع بيننا، وهو نفس الانتماء الذي جمعنا بالشاعر الراحل سي محمد السكتاوي رحمه الله الذي اختطفته منا يد المنون.
قلائل هم من يعرفون أن عائلة الدامون هي عائلة مثقفة، انشغلت بالعلم والثقافة منذ وقت مبكر، وحالة نور الدين الذي اكتوى بالأدب ( الشعر ) الذي جاء إله من حقل القانون خير دليل على هذا، إلى جانب انشالله شقيقه مصطفى الدامون بالفكر والفلسفة . وهو – أي الراحل – الذي تابع دراسته الجامعية في فرنسا ليشتغل بعد ذلك محاميا متدربا في مكتب الراحل الأستاذ بهاء الدين الطود بطنجة. ومما يزيد من صحة هذه الفرضية أن الدامون أصبح كاتبا وشاعرا موهوبا تمكن من إصدار عديد من الدواوين الشعرية المهمة والمتنوعة . وأنت تقرأ لهذا الشاعر تشعر بأنك تحلق عاليا في سماوات الشعر، حيث الاحتفاء بالإنسان والوطن والحرية والقيم الإنسانية الرفيعة. ولن أبالغ إن أشرت إلى أن نجاح التجربة الشعرية لدى نور الدين الدامون تعود بالأساس إلى:
– إتقانه للغة الفرنسية والأسبانية، وهو ما مكنه من من الإنفتاح على تجارب شعرية غربية و ترجمة بعض الأعمال الخاصة للشاعر لويس سيرنودا، ونفكر هنا في:
الواقع والرغبة 2010،
ولم يتزل الملاك بعد 2011
– مجايلته لشعراء كبار من قبيل: أحمد المجاطي ومحمد بنيس والخمار الكنوني وعبد الله راجع إلى جانب شعراء آخرين من قبيل عبد الله زريقة وأحمد بركات ومحمد الميموني وأحمد بنميمون وعبد الكريم الطبال، وكذا إدمانه القراءة،
– إ دمانه القراءة :
ولمن لا يعرف، فالرجل يملك مكتبة كبيرة في بيته تشتمل على أمهات الكتب المختلفة والمتنوعة التي تمتح من حقول الشعر والنثر والفكر إلى جانب عديد من الكتب المترجمة في مجالات شتى. وإلى جانب إدمان الرجل القراءة – وهو الذي كان لا يتخلف عن حضور مواسم وأعياد ومعارض الكتاب، إذ كثيرا ما شوهد وهو يتأبط كتبا ويحمل رزمة أخرى التي كان يطمئن إليها – فالراحل كان يكتب شعرا حقيقيا ضاجا بالحياة والموت والأمل. وأنت تقرأ له ، تشعر بأنك أمام شاعر قومي وملتزم. فكل قصائده لا تخلو من احتفاء وتضامن مع فلسطين والعراق، فقد كان يكتب ويفرغ في قصائده كل ما يكتبه من معارف : تاريخية، وأسطورية، وفلسفية، إلى جانب التعاليم الدينية والصوفية واعتماد الرمز. والطريف، أن هذا الشاعر قد حقق نجاحاته بعيدا عن ثقافة الصالونات وأضواء الإعلام المرئي والمسموع، لأن الذي يعرف هذا الشاعر يعرف بأنه كان ينأى بنفسه عن كل الأضواء، – وهو خيار شخصي- لأن هدفه الوحيد هو الشعر أولا وأخيرا.
ومن أصدقاء المرحوم نور الدين الأستاذ سي محمد أمزيان والكاتب والقاص الصديق عبد القادر أحمد بنقدور، وهذا الرجل الذي أعزه وأحييه بالمناسبة – متعه الله بالصحة والعافية – كان من خيرة أصدقاء الراحل نور الدين الدامون وممن يعرفونه حق المعرفة ويقدرون فيه حرقة الإبداع، ولذلك ليس بغريب أن يحاوره ويكتب عنه في أكثر من مناسبة.
إن رحيل الشاعر نور الدين الدامون، خسارة كبيرة للمشهد الشعري المغربي وللأصدقاء وكل القراء المغاربة والعرب. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح الجنان والبقاء لله.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading