اللوح والقلم

26 ديسمبر 2024

ذة : حميحم مليكة

إسترعى انتباهي اليوم صورة اللوح والقلم والدواية والصمغ ،عبر صفحات العالم الازرق الجميل ، وأرجعتني إلى سنوات بعيدة جدا في حياتي محفورة بماء الذهب وهي بالأحرى سنوات جيل بأكمله يحملها معه أينما ارتحل يكفيه الضغط على زر الذاكرة لتظهر أمامه على شاشة الواقع المشوش.
فعلا ضغطت على الزر ورجعت طفلة في السادسة من عمرها تجر بيدها الصغيرة اخاها الصغير إلى المسيد الذي يوجد على رأس بوابة حي الديوان من جهة حي دار غيلان.
كنا ندخل المسيد فنجد جدي ( باسيدي )رحمة الله عليه الفقيه أحمد البوطي بشخصه المهيب وابتسامته الهادئة الرزينة وبيده عصى طويلة تصلنا جميعا أينما كان موقعنا في الحجرة ، نقبل يده الكريمة ونجلس على الحصير بجانب أبناء الحي من سيدي الرايس دار غيلان سوق الصغير سيدي سعيد القطانين والديوان ، كلها كانت أحياء مجاورة لنا تجمعنا معا ساحات الدراسة واللهو الطفولي.
بعد ان نحفظ السورة نخرج إلى البهو الكبير ونجلس تحت شجرة كبيرة كرمة الباكور وداليا العنب ، فنقوم بمحو السورة بالماء والصلصال ونضع اللوح في مكان تصله الشمس لعملية التنشيف ، لنقوم بعدها بالكتابة من جديد مع تصحيح الأخطاء وبالتالي استظهار السورة ، وتعاد العملية هكذا دواليك وقد قمت بهذه الطقوس مع جميع اخواتي حتى بعد ان توفي باسيدي ودفن بنفس المسيد اللذي كان يلقن فيه أصول حفظ القرآن الكريم وكتابته بالطريقة المغربية الخط المبسوط.
انتقلنا إلى مسجد للا العالية حيت اكملت مسيرة الإرتقاء في مسلسل مرافقة اخوتي فأقوم بكل مايقومون به من كتابة على اللوح بالقلم والصمغ ثم المحو بالماء والصلصال والكتابة من جديد ، واستظهار جميع السور معهم مرات ومرات على يد الفقيه السي عبد السلام البوطي رحمة الله عليه الذي أصبح فيما بعد إماما لمسجد وادي المخازن ، وقد التيقت هناك بصغار غرسة بن جلون وللا العليا .
والغريب في الامر انني لم اتوقف عن مرافقة اخوتي والجلوس معهم للدراسة على الحصير واستظهار السور التي كنت حفظتها عن ظهر قلب بدون تدمر ولا ملل ألى ان إلتحق أحد الاطفال الصغار بالمسيد ،طفل طويل اللسان متنمر بلغة الجيل الجديد ،فنظر الي بتعجب وقال لي أمام الكل لماذا انت معنا انت كبيرة جدا !!!!!!!!! فامتنعت من يومها عن الحضور رغم محاولة أمي بدون جدوى .
ويظهر انني كنت مهووسة بالعادات والتقاليد بحيت انني لم أقلع عن عادة كسوة العيد والذهاب للتصوير والتجول حتى قالت لي إحدى المتطفلات بطريقة خبيثة:
بالصحة الكسوة د العيد !!!!
حينها أحسست بأنه يجب أن اتوقف عن هذه العادة وعرفت يومها بأن زمن البراءة اندثر مع كل الظواهر الجديدة من تنمر وتشهير أفقدت خصوصية وعذرية مراحل العمر الطبيعية.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading