مقتطف من رواية: ” غرب المتوسط”:

5 أكتوبر 2024

 

-ذ . ادريس حيدر——
و بعد برهة قال :
“ركبتُ بمعية ” أحمد” و باقي الشباب ذاك القارب اللعين …كان مهترئا و متهالكا ، كما أن الطقس كان تلك الليلة باردا و قارسا ، و البحر هائجا و الرياح هوجاء تعوي كأنها ذئاب جائعة .
كانت مغامرة غير محسوبة ، خاصة و أن القارب لم يكن يستوعب ذلك العدد الكبير من الشباب المغادر .
و منذ اللحظة الأولى بدا له ، كما ل” أحمد” ، أن تلك الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر “.
و أضاف :
” و بعد نصف ساعة تقريبا من الإبحار ، أصبح البحر الهائج يتراقص بالزورق ، كما أن الأمواج العالية ، كانت تتكسر فوقه ، حتى امتلأ ماء عن آخره “. آنئذ ، خاطبه ” أحمد ” قائلا :
“أخي ” إبراهيم ” ربما هذه نهايتنا ، لقد أخطأنا الاختيار …إنها مغامرة فاشلة … و إنني أتحسر و أتألم لحال أهلي ، و لا أدري من سيتولى إعالتهم ؟
ثم من أين لهم برد المبلغ الذي اقترضته أمي بهدف تهجيري ، فَثَمَنُ الأرض الموروثة عن أبي ، لم يُغَطِ المبلغ المطلوب كاملا .”
و بدأ يصيح :
” إن أحلامي لن ترى النور أبدا ، كما أن الفقر سيظل ملازما لأسرتي .
و في لحظة خاطفة ، يضيف ” إبراهيم” ، ارتفع الزورق إلى أعلى ، و تسكرت عليه أمواج عاتية ، فسقط الجميع في البحر ، و سمعت ” أحمد ” يرفع صوته عاليا و يردد :
” سامحيني يا أمي ، لن أستطيع إنقاذك من براقين الفقر ”
كانت هذه آخر الكلمات التي سمعتها ، يقول ” إبراهيم ، قبل أن أدخل في غيبوبة و التي لا أعرف إلى حد الآن كم كانت مدتها .
استفقتُ منها و وجدت نفسي ملقى و مرميا على شاطئ في الضفة الأخرى ”
هكذا أنهى ” إبراهيم ” حكايته ، و كانت عيناه قد اغرورقتا بالدموع .
بكت أمه ” رحمة” ابنها بصوت عال ، و كذلك فعلت قريبتها ” زهرة” ، ثم غادرت منزل ” إبراهيم ” و هي تردد :
” رحمك الله يا بني … سامحني … لقد تسببت في موتك عندما رميتك إلى بطن البحر ، بحثا عن عيش كريم .
كانت غايتي و آمالي معقودين عليك ، لأنني كنت أعتبرك مُخَلِّصَنَا من الفقر “.
مرت سنوات عديدة ، بعد علم الأم ” رحمة” بغرق ابنها ” أحمد ” في عرض البحر من خلال الحكاية التي حكاها صديقه ” إبراهيم” ، و مع ذلك لم تفقد الأمل ، معتقدة أن رواية رفيقه غير كافية للتسليم بغرقه و موته .
و هكذا ظلت مسكونة بالأمل في أن ترى ابنها يوما حيا يُرزق ، لأنها و حسب اعتقادها البسيط ، كانت دائما ترضي عليه و تدعو له في صلواتها بنجاته وتوفيقه و حسن عاقبته ، و أن دعاء الأم مستجاب عند الخالق .
و إمعانا في اعتقادها ، بدأت تزور أضرحة السادات و تدعو له هناك ، مُتبركة بأصحاب المقام و متضرعة لهم بأن يُرجعوا ابنها إليها سالما و معافى .
كما أنها كانت تقضي أوقاتا طويلة في الزوايا و تقوم بنفس الشيء ، بل و تنظم بين الفينة و الأخرى في منزلها ليالي للذكر و مدح الرسول بالرغم من إمكانيتها المادية المحدودة ، دائما بأمل عودة ابنها عودة مظفرة .
و كانت تجد في هذه الممارسات ، راحة نفسية .
حاول كثير من أقربائها إقناعها بالواقع المر ، الذي يفيد قضاء ابنها في اليم ، إلا أنها عاندت كثيرا .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading