
—-ذ . ادريس حيدر——
و بعد برهة قال :
“ركبتُ بمعية ” أحمد” و باقي الشباب ذاك القارب اللعين …كان مهترئا و متهالكا ، كما أن الطقس كان تلك الليلة باردا و قارسا ، و البحر هائجا و الرياح هوجاء تعوي كأنها ذئاب جائعة .
كانت مغامرة غير محسوبة ، خاصة و أن القارب لم يكن يستوعب ذلك العدد الكبير من الشباب المغادر .
و منذ اللحظة الأولى بدا له ، كما ل” أحمد” ، أن تلك الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر “.
و أضاف :
” و بعد نصف ساعة تقريبا من الإبحار ، أصبح البحر الهائج يتراقص بالزورق ، كما أن الأمواج العالية ، كانت تتكسر فوقه ، حتى امتلأ ماء عن آخره “. آنئذ ، خاطبه ” أحمد ” قائلا :
“أخي ” إبراهيم ” ربما هذه نهايتنا ، لقد أخطأنا الاختيار …إنها مغامرة فاشلة … و إنني أتحسر و أتألم لحال أهلي ، و لا أدري من سيتولى إعالتهم ؟
ثم من أين لهم برد المبلغ الذي اقترضته أمي بهدف تهجيري ، فَثَمَنُ الأرض الموروثة عن أبي ، لم يُغَطِ المبلغ المطلوب كاملا .”
و بدأ يصيح :
” إن أحلامي لن ترى النور أبدا ، كما أن الفقر سيظل ملازما لأسرتي .
و في لحظة خاطفة ، يضيف ” إبراهيم” ، ارتفع الزورق إلى أعلى ، و تسكرت عليه أمواج عاتية ، فسقط الجميع في البحر ، و سمعت ” أحمد ” يرفع صوته عاليا و يردد :
” سامحيني يا أمي ، لن أستطيع إنقاذك من براقين الفقر ”
كانت هذه آخر الكلمات التي سمعتها ، يقول ” إبراهيم ، قبل أن أدخل في غيبوبة و التي لا أعرف إلى حد الآن كم كانت مدتها .
استفقتُ منها و وجدت نفسي ملقى و مرميا على شاطئ في الضفة الأخرى ”
هكذا أنهى ” إبراهيم ” حكايته ، و كانت عيناه قد اغرورقتا بالدموع .
بكت أمه ” رحمة” ابنها بصوت عال ، و كذلك فعلت قريبتها ” زهرة” ، ثم غادرت منزل ” إبراهيم ” و هي تردد :
” رحمك الله يا بني … سامحني … لقد تسببت في موتك عندما رميتك إلى بطن البحر ، بحثا عن عيش كريم .
كانت غايتي و آمالي معقودين عليك ، لأنني كنت أعتبرك مُخَلِّصَنَا من الفقر “.
مرت سنوات عديدة ، بعد علم الأم ” رحمة” بغرق ابنها ” أحمد ” في عرض البحر من خلال الحكاية التي حكاها صديقه ” إبراهيم” ، و مع ذلك لم تفقد الأمل ، معتقدة أن رواية رفيقه غير كافية للتسليم بغرقه و موته .
و هكذا ظلت مسكونة بالأمل في أن ترى ابنها يوما حيا يُرزق ، لأنها و حسب اعتقادها البسيط ، كانت دائما ترضي عليه و تدعو له في صلواتها بنجاته وتوفيقه و حسن عاقبته ، و أن دعاء الأم مستجاب عند الخالق .
و إمعانا في اعتقادها ، بدأت تزور أضرحة السادات و تدعو له هناك ، مُتبركة بأصحاب المقام و متضرعة لهم بأن يُرجعوا ابنها إليها سالما و معافى .
كما أنها كانت تقضي أوقاتا طويلة في الزوايا و تقوم بنفس الشيء ، بل و تنظم بين الفينة و الأخرى في منزلها ليالي للذكر و مدح الرسول بالرغم من إمكانيتها المادية المحدودة ، دائما بأمل عودة ابنها عودة مظفرة .
و كانت تجد في هذه الممارسات ، راحة نفسية .
حاول كثير من أقربائها إقناعها بالواقع المر ، الذي يفيد قضاء ابنها في اليم ، إلا أنها عاندت كثيرا .