
——- حميد الجوهري——-
رغم بعد الشقة عنهم، لا زلت أحمل في نفسي محبة خالصة لبعض الإخوة من الذين عايشتهم في الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير، خاصة أولئك الذين كانوا يرأسون المحاضن التربوية، و يشرفون على البرامج الدعوية و الإشعاعية، و كثير منهم لا زال على هذا الدرب، لم يبدلوا و يغيروا تحت يافطة السياسة و جاذبيتها و محنها، و منهم من قضى نحبه قبل أن يروا تهافت السياسة و ساستها..
من بين هؤلاء، المرحوم عبد العزيز حميد، رمز الابتسامة الجميلة، و التأطير السلس المراعي للمراحل العمرية، و كان يعجبني فيه رحمه الله ذلك الهدوء الزائد، يمتص به حماستنا و اندفاعنا، فيرجعنا بحكمته إلى جادة الاعتدال في الرأي، و إلى منهج السلف في حسن الخلق، كان رجلا صادقا في توجهه، كثير القراءة، اقتطع من وقته قسما كبيرا للاهتمام الدعوي و التأطير التربوي، حتى رحل إلى رحمة الله في حادث سير مؤلم لنا جميعا، أسكنه الله فسيح جناته، مع الشهداء و الصالحين، آمين
و من هؤلاء الرجال، شيخ جليل، نحبه و يحبنا، لازلت كلما لقيته، إلا و خفق القلب بهجة بطلعته، أعانقه في محبة زائدة، و لا أرى فيه إلا نفس الصالحين، و لا تجد من ريحه إلا الطيب، لم يبدل ذلك بغل أو كبر، متواضع أنى وجدته، إنه الأستاذ المربي محمد بووانو، الذي صرف جل وقته في الدعوة إلى الله، و مقاومة “الفترة”، على يد هذا الرجل انفتحت على القراءة، فقد أمدني حفظه الله أول ما عرفته بقائمة من الكتب من مكتبته، و كلفني بعد ذلك بالإشراف على مكتبة الجمعية الإسلامية العامرة، معه انفتحت على كتابات فتحي يكن و محمد قطب و القرضاوي، و علي شريعتي و الباقر، و الشيخ عبد السلام ياسين و مجلته الجماعة.. و القائمة طويلة..، و أي خير أعلى من خيرية القراءة، و أي تربية أقوم من تربية العلم، كان الرجل و لا زال، جادا مجتهدا في مسلكه، قليل الكلام، كثير العطاء، لا يرفع صوته إلا في موضع الجهر بالحق، لا يمكن لمن عاشره إلا أن يضعه في موضع حسن في قلبه، لا يخرج منه أبدا، حفظه الله و أكرمه، حيث علمنا معنى الإسلام المعتدل، البعيد عن ألوان التطرف و التزمت المقيت.
و من هؤلاء الرجال الكرام، الشيخ المربي الأستاذ عبد الله الطاهري، هذا الرجل الضحوك البشوش، صاحب النكتة، كثير الإطعام كريم، لا تجلس في بيته و المائدة فارغة، فالكرم عنده لب التربية، و النكتة عنده عين الابتسامة، و هو بهذه الأخلاق نرى من خلاله ذلك الدين الجميل اليسير، و من ألطف نكته، مزج لغتنا الدارجة بلكنة فرنسية مضحكة، فنحن لسنا “الشباب” بل “chababiti”، و ” مشكلتهم” “Mochkilisation” ، فنضحك لذلك كل حين، و أي حاضنة تربوية أفضل من هذه السلاسة، و أي رسالة أفضل من هذه الرسالة، التي تجمع من الأخلاق مكارمها، و من النفحات أطيبها..
أما الأستاذ الجليل عبد الناصر التيجاني، فلن أنسى فضله ما حييت، فهو منارة الفهم لدي، علمني علما ينفعني اليوم، و فهما للواقع يحصنني من الاستغراق في الخطأ، و قد كتبت عنه من قبل مقالة تجتاج إلى إضافات كثيرة، و واجب علي أن أنوه بمنهجية الجمعية الإسلامية التي كان أحد مؤسسيها و رؤسائها، هذه المنهجية التي ابتعدت بنا عن الانزلاق إلى الفكر المتطرف، هذه المنهجية التي تستقي من منبع التصوف ألوانا، و لم تبتعد بنا عن التدين المغربي الأصيل، بورك الرجل فأنا لم آخذ منه إلا ريحا طيبة بوصف رسول الله عليه أفضل الصلاة و السلام..
و بين هؤلاء شباب و شيوخ، كانوا و لا زالوا على مكارم الأخلاق، و هم قدوة على هذا النهج، نراهم في مجتمعنا، لم تأخذ منهم هفوات السياسة شيء، لأنهم وضعوا حاجزا بينهم و بين السقوط في مخالبها، فلم تفترسهم كما افترست غيرهم، و نالوا بذلك التطهر المنشود، و ثبتهم الله أمام كم الإغراءات و الإضاءات، فعموا عن السياسة و أبصروا الدعوة، ثبتهم الله، آمين
” من مذكراتي”