
عبد المجيد بوزيان
كان حينا يُعرف باسم باب الواد، وهو حي شعبي وشاسع الأطراف، يجمع أحياء صغيرة منها حي للافاطمة الأندلسية ودار غيلان وسوق الصغير وسيدي قاسم بن زبير وسيدي ميمون وسيدي سعيد والقطانين والديوان…..كانت علاقة الأسر في هذه الأحياء سنوات الخمسينات والستينات وكذلك بداية السبعينات متينة ويسودها الوئام والانسجام، والتعاون والتلاحم، فيشتركون الحلوة والمرة والسراء والضراء، لدرجة أن الجار كان حاضرا في كل المناسبات والأحداث اليومية التي يمر بها جيرانه كانت افراحا أو أتراحا، وكنا نحن الأطفال نشعر وكأننا في بيت واحد وننتمي لأسرة واحدة، وقد أصبحت اليوم هذه السلوكيات من ممارسات الماضي في علاقة الجار بجاره.
كان سكان حينا الشعبي يمثلون أغلب شرائح المجتمع القصراوي، فمنهم الفقراء ويقطنون بيوتا صغيرة وفي دروب ضيقة، أو يقطنون دور القصدير المتواجدة هنا وهناك في تجمعات صغيرة بسيدي رضوان وقرب مقبرة اليهود ووراء المسجد الأعظم على يسار معمل الدقيق والعجائن، وبالقرب من ديور النصارى على حدود حي سيدي الكامل، وكان أغلب سكان باب الواد يمتهنون الحرف التقليدية مثل الدباغة والدرازة والخرازة والحلاقة والختانة والتجارة وبعض الوظائف الصغرى، وقد كانت هذه المهن وقتئذ تدر أرباحا محترمة أو على الأقل تفي بالمطلوب، وهكذا كان يُقال: “الحرفة اذا ما غنات كتستر” فمثلا دار الدباغة كان يسميها البعض دار الذهب نظرا للأرباح الكبيرة التي تدرها حرفة الدباغة، وبذلك فقد كان بعض الحرفيين يصنفون كطبقة متوسطة وأغلبهم إن لم نقل كلهم يمتلكون منازل بمساحات متوسطة، ومن بين سكان حي باب الواد كذلك الأغنياء والذين كانوا يتخذون من الدور الفاخرة مساكن لهم من أشهرها: رياض الرميقي ورياض احسيسن ودار بنجلون…. إلا أن هؤلاء لايمثلون إلا الأقلية، وعلاقتهم بعامة الناس محدودة اذا ما استثنينا علاقة أبنائهم بأبناء الطبقات الشعبية، والتي كانت تفرضها المدرسة العمومية، فهذه الأخيرة من محاسنها تجمع الفقير والغني في صف واحد، ولا فرق بينهما إلا في الاجتهاد والمردودية في الدراسة.
كان أطفال حي باب الواد ينقسمون إلى مجموعات أو فرق، يتخذون من بعض الدروب والأزقة والساحات فضاءات لممارسة انشطتهم وإبراز مواهبهم، ويلعبون ألعابا موسمية مثل سبسبوت والترينبو والبولات و طق طق احجيرة…… كما كانوا يشاركون في دوريات لكرة القدم بملعب بلعباس يشرف على تنظيمها شباب الحي، وعند حلول فصل الصيف يلتقون في المخيمات الشعبية بشاطئ العرائش أو شاطئ مولاي بوسلهام أو شاطئ أصيلا، علما أن تكلفة هذه المخيمات بسيطة وفي متناول الجميع إلا من كانوا يعيشون الفقر المدقع، وهؤلاء هم كذلك يلتقون في مخيمات الشبيبة والرياضة، في الواقع كانت الحياة في حي باب الواد بسيطة وممتعة ويملأها الود والاحترام، وها نَحْن اليوم نَحِنٌُ لهذا الماضي الجميل رغم بساطته وضعف إمكانياته.