ذ.الخليل القدميري
استطاع المفكرون التوصل إلى تعريفات محددة ودقيقة لمختلف العلوم في الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، إلا أن الفنون، بما فيها الأدب، لا زالت تتأبى على التعريف الدقيق الذي يصدق عليها تماماً ويجمع تحت لوائها كل ما ينتمي إليها. ما السر في ذلك يا ترى؟ لعل السر يكمن في الطبيعة المتغيرة والمتجددة التي تتسم بها الفنون وتصدر عنها، فهي لا تركن إلى وضع ولا تستقر على حال مهما بلغت من الجمال والتألق.
والقصة القصيرة لا تزال تتقلب على نار التجديد والتجريب، ولم تستقر بعد على شكل أو نسق. ولا غرابة لذلك في مجال الفنون، ما دام أن المسرح (أب الفنون) لا يفتأ فنانوه يبحثون له مع كل عرض جديد عن شكل مختلف لتجديد دمائه بتقنيات جديدة وغريبة في أغلب الأحيان. وهذا يصدق كذلك على الشعر والسينما والرواية والفن التشكيلي..، رغم ادعاء فئة من المفكرين والنقاد أن بعض الفنون في طريقها إلى العلمية بعد أن أخذت من الموضوعية بجانب ملحوظ.
يبدو أن الذات الفنانة المبدعة ترتاع كلما لاحظت أن أدوات العلم تزحف إلى روح الفن، وتسرع إلى معينها الذي لا ينضب تستغيث به دون إرادة أو قصد، باحثة عن إلهام جديد يطبع الإنتاج الفني بطابعها، ويضع عليه بصماتها الذاتية الخاصة، ونفس الفنان أو المتلقي يبحثان عن أعماق الإنسان ولاوعيه فيما يبدع، ففي هذه الأعماق البركانية الشاعرة الحالمة تكمن العبقرية الآسرة والجمال والفكر والإيحاء والإلهام.
وإن كان الكتاب والنقاد قد اختلفوا في تعريف القصة الفنية الحديثة، فإنهم قبل ذلك اتفقوا على أسسها العامة وهي أن القصة القصيرة فن أدبي نثري يتناول بالسرد حدثاً وقع أو يمكن أن يقع، والقصة بهذا المعنى أبدعها آلاف الكتاب في كل زمان ومكان، منذ التجارب الأولى لقدماء المصريين، فهم أول من كتب القصة قبل أربعة آلاف عام وبرعوا فيها بدرجة كبيرة.
والتعريف شبه المحدد الذي توصل إليه بعض الكتاب بعد اجتهاد أثمرته الخبرة والتجربة، هو أن القصة القصيرة:” نص أدبي نثري يصور موقفا أو شعورا إنسانيا تصويرا مكثفا له أثر أو مغزى”.
