محمد أكرم الغرباوي
مقام البوح 29 / قبل الأخير
علا صوت القانون و الحق سامقا منذ البدايات مع رجالات و نسوة القصر الكبير ، وهي المدينة المجاهدة التي لازالت أرضها الأم مضمخة بدماء شهيدات و شهداء معركة وادي المخازن . ولازال أحفادها يفتخرون إنتماء لزكي تربتها . ناضل أهل القصر الكبير من أجل التحرر و ضد الإستعمار والفساد . وسعى أبناؤه و بناته إلى البناء المجتمعي ، و تأسيس معالمه الحضارية . فكانت الرحلات الطلابية الدراسية صوب المشرق بمصر و العراق …
سمعنا عن من رحلوا سعيا للعلم و عادوا بناة حماة للوطن . لائحة طويلة من الخلص الكرام .
صوت القانون عاد من جديد ليترافع عن البلاد والعباد . و ينتصر للحق و للمظلومين والمقهورين .
كانت ردهات و قاعات و صالات العدل بالمحكمة الإبتدائية بالقصر الكبير و غيرها تشهد مرافعات قانونية قيل عنها كانت دروسا و محاضرات و تحليلا و إستغوارا و إجتهادا في القانون . هكذا علت أصوات التناضر بين المحام و هيئة العدل في إستماتة خالصة لنصرة الحق و المظلوم .
كانوا نزهاء المحاكم ، شهد لهم الجميع بالأيادي البيضاء قبل الوزرة السوداء.
* أذكر صغيرا جنازة مهيبة ، كانت أولى المرات التي أشاهد فيها جنازة مختلفة عما كنت أرى . رجال هامات بوزراتهم السوداء و الشالات البيضاء و محمل فوقه بذلة متدلية معانقة السماء ، و بعض الرجال بمحافظهم أمام وراء جنازة مهيبة مذهلة صادمة . كانت جنازة المرحوم الأستاذ المناضل نور الدين بلفقيه رحمه الله . كبرنا و علمنا أنه كان رحمه الله نزيها و أكثر ، ساهم في تدبير الشأن المحلي و تقويم الحفاظ على مسيرة النادي الرياضي الذي أسس سنة 1936 . و غيره من مصالح الإنسان .
* وعلى ضفة أخرى كان يرافقه في التسيير الجماعي رجل أخلص معه أيضا في التدبير و مهنة المحاماة المرحوم الأستاذ المناضل مصطفى مومن رحمه الله . عاش نزيها مات كريما . رافق جنازته الخاصة و العامة من الناس . شهدوا بكرمه و سخاءه وإستماثته في نصرة الحق و إستقبال مكتبه للباحثين المدققين . الراسخون في الحق أمثال الأستاذ النزيه المناضل الأديب إدريس حيدر و غيره .
* وفي منزلة الدارسين الذي أخلصوا للوطن و المدينة و المهنة و العدل الصهر الأكبر الأستاذ المناضل سيدي عبد السلام الشرادي رحمه الله الذي نهل من العلوم القانونية و الفلسفية و الإجتماعية و الشعر و اللغات بالمشرق رفقة سي بنخليفة رحمه الله و آخرون .. كان مكتبة قانونية ومرجعا يمشي في المدينة . عاش نزيها مات كريما . كان من أوائل المدافعين عن المعتقلين مناصرا للحق والمظلوم و عطوف على اليتيم و الأرملة . دافع عن تاريخ و هوية و أصالة المدينة في تسييره الجماعي لها . كان قدوة من اختاروا و اعجبوا بالمحاماة . آمن بحق الاختلاف و الاختيار . رجل ثقة و أمانة وشهامة .
* كذا هو المربي بدءا ، المحام العدل النزيه الأستاذ المناضل المهدي المجول رحمه الله الذي عرفته المدينة كبيرا منذ بداياته منذ كان أستاذا بالتربية والتعليم . كان يتمتع بالجرأة قولا ومناصرة للحق . ناضل من أجل العدالة و ضد الاستعمار من مسالك مختلفة ثقافية و فنية و أدبية وهو القادم من التعليم إلى القانون . مناصرا المطرودين بعد الإضراب . وكذا عند تسييره الجماعي أيضا لمرات منذ سنة 1976 . عاش نزها كريما . ومات مخلصا لنزاهته و عفته.
* وكذا الأستاذ المناضل الحقوقي عبد الخالق الدغاي رحمه الله عاش يدعو لتثبيت مؤسسات حقوقية موازية للعمل الجمعوي . و الإشتغال على ترسيخ قيم المواطنة و الحق و المساواة و تكافؤ الفرص من داخل المؤسسات التعليمية و أنديتها و عبر المسالك و البحوث الجامعية . ومن داخل المجتمع المدني قربا و اقترابا من الجميع .
* وعلى مقربة من محبة الجميع عاش رجل القانون النزيه رئيس بلدية القصر الكبير بعد إستحقاقات إنتخابية متبادلة لولايتين ( بينه و بين المناضل الفاضل سي محمد الطويل رحمه الله ) إنه الأستاذ المناضل محمد أبو يحيى رحمه الله الذي شهدت له المدينة لسنوات بنقلته المدنية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية خصوصا لاسيما جعل سينما بريس كالدوس بعد أن طالها الإهمال ، مسرحا بلديا، وتنظيمه المهرجان الثقافي السنوي للمدينة ، وبداياته تغيير الوجه الحضاري المدني مزاوجا بين المهنية و التدبير .
* رجل السمت و الإستماع للآخر والدربة المهنية . من أخلص للقصر الكبير أصالة وعدلا وهو ابن أعاليها بعياشة . المناضل الأستاذ عبد السلام المعرف رحمه الله . إشتغل طوال حياته في صمت ووقار . ودفاع مستميث عن العدل . عرف بتوازنه السياسي و الإجتماعي في تدبيره الشأن الجماعي لمنطقة عياشة . مدافعا عن أبناءها و بناتنا في التعليم أولا الذي كان يراه البوابة الفضلى للتنمية الحقيقية وفك العزلة .
[ ذكرت نخبة فقط قصرا و ليس حصرا . المناضل و الأستاذية شملتهم جميعا ليس تكريما أو صفة بل كانوا لها و أكبر ، هكذا أجمع من عرفوهم قربا اكثر ]
رجال القانون المخلصون للعدالة الفضلى . و الحق الأسمى بمدينتي كانوا معاهد و مدارس أكثر منهم أساتذة في مكاتبهم . علموا و دربوا . وتمرن بمكاتب كفاءتهم خيرة أساتذة اليوم . كانت وزرتهم حِملا ثقيلا و أمانة عظيمة أدوها بعفاف و كفاف و غنى عن الناس . و سلموها بإخلاص و أمانة لأجيال إتخدوا مسار أسلافهم منارا يحتدى به . ومن مكارم فضلاء اليوم يذكرون أفضال و مسار كبارهم بإكبار في كل محفل و دراسة .
يٌذكَرون في المذكرات و الدراسات و المرافعات و الأبحاث القانونية . و يُذكَرون فخرا في سجل تاريخ التدبير السياسي و المجتمعي – لمدينة كان يعيش بها من نفخر بهم اليوم وغذا – روادا و جيلا من ذهب قد رحل و ذهب .
كانوا كراسي علم و تاريخ نضال
رحم الله أصواتا جهرت بالحق في الحق لوجه الحق سبحانه .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي .
محمد أكرم الغرباوي