
زكرياء الساحلي
1 – قبل البدء
قبل أن أتحدت عن عوالم الجن والشياطيين وعن روايتي #بابلزهرةالحياة وكيفية اقحام هذه المخلوقات في ثنايا صفحاتها، أود بداية أن أتحدث عن كتاب (الهرج والمرج: تاريخ مرئي لعلم الشياطين)
Pandemonium: A Visual History of Demonology
Ed Simon وهو للكتاب الأمريكي
كتاب مصّور عن تاريخ علم الأرواح الشريرة -ولأول مرة- نجد شجرة كاملة لعائلة الشيطان، ويقدم الكتاب فيها تاريخًا وتحليلاً لزملائه من الملائكة الساقطين من أسموديوس إلى Ziminiar زيمينيار
تحدث الكاتب كذلك على تأثير شخصيات مثل بعلزبول وعزازيل وليليث ومولوخ على الدين والأدب والفن الغربي. (بعض هذه الشخصيات متواجدة في رواية بابل إضافة إلى شخصيات شرقية)
لكن ما يهمنا من هذا الكتاب هو تصريح صاحبه عندما سُئل كيف لكاتب علماني ليبرالي مثقف كحالته أن يؤمن بوجود العفاريت والأرواح الشريرة! أجاب: “أنا لست مهتما حقا بإثبات أو دحض وجود العفاريت والأرواح الشريرة. أنا مهتم بالطرق التي آمن بها الناس بالشياطين، والقصص التي رووها عنها ، وكيف شكلت هذه القصص خيالنا الثقافي” ويضيف: “الشياطين حقيقية بمعنى أن لديها قوة وتأثيرا حقيقيين على حياة البشر ، و ليس لأنها كائنات خارقة للطبيعة بالمعنى الحرفي ، بل لكونها استعارات مجازية. تمثل الشياطين الشرور و الإغراءات و الفتن والخطايا التي تطارد الحالة البشرية …
من هذا المنطلق لن نهتم – من خلال الحلقات التي سأنشرها- بإثبات أن عالمي الأرواح والسحر حقيقة أم خرافة.
كما يمكننا في الآخير اسقاط بعض شخصيات رواية بابل زهرة الحياة على الحالات النفسية التي يمر منها الانسان من خيانة وحقد وانتقام والجشع وشهوة ورغبة في الخلود.
ترقبوا قريبا سلسلة شروحات وإضاءات عن رواية بابل زهرة الحياة والعوالم المحيطة بها.

2 – شرح عتبة العنوان: #بابلزهرةالحياة
لم أكن في بادئ الأمر مهتما بجنس الرواية، كنت أعتبرها ترفا فكريا زائدا (وهذا أكبر خطأ وقعت فيه في حياتي) لكنني كنت أواكب القراءة المتنوعة ولو بشكل متقطع.
ذات يوم وقع بين يدي كتاب البداية والنهاية لإبن كثير، وأنا أطالعه وجدت أن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدام هو من أسس مدينتي بابل وسوس الأقصى، وأسس أيضا أول جيش إنسي لمواجهة غزو جيش الشيطان (عزازيل) ونشبت بينهما معركة رهيبة كتب فيها الرب النصر للانس وقتل فيها كثير من المردة والغيلان والعفاريت، ثم فر الشيطان إلى أقصى الأرض خوفا من المواجهة المباشرة.
من هنا راودتني فكرة كتابة رواية تتضمن مجريات هذه الحرب الرهيبة، حرب مهلائيل ضد عزازيل.
اعتمدت بداية على تقنية “ماذا لو”
ماذا لو أن هذه الحرب نشبت بسبب رغبة عزازيل تصفية بني الإنس في بداية نشأتهم؟
ماذا لو أنها نشبت بسبب بحثهما عن شجرة الخلود؟
بعد أن وصل الانسان إلى شجرة المعرفة التي أكل آدم تفاحتها، هل سيصل الانسان إلى شجرة الخلد وملك لا يبلى، ماذا لو كان هذا هو سبب الصراع مع الشيطان الذي يعلم أنه غير خالد وأن الموت سيصله في آخر الزمان؟
بعد بحث مطول عن شخصية مهلائيل وجدت له سبعة أبناء ستة منهم مذكورين في العهد القديم وسابعم شخصية مجهولة، ماذا لو كان هذا السابع هو البطل الحقيقي؟ ماذا لو كان هو الباحث الحقيقي عن شجرة الخلود؟ هل يستطيع أن يوحد بين أمتي الجن المتصارعة والإنس الناشئة؟ ماذا لو تزوج ابنة زعيم من زعماء الجن؟ وخاضا معا رحلة البحث عن الخلود.
لماذا لم يذكر اسمه في التاريخ؟ هل هي لعنة أصابته؟ ماذا لو أسميته يراع؟ فيراع اسم له معنين المعنى الأول هو القلم والثاني هي تلك الحشرة الصغيرة التي تضيء نورا من نصف جسدها في الليل، ماذا لو كان هذا اليراع أي القلم هو النور؟ أي أن الاستنارة تأتي بالقلم والمعرفة لمواجهة الظلام؟ فالنور قليل يستطيع أن يبعثر الظلام الدامس.
وهنا بدأت تتضح لي معالم روايتي بابل، ثم أقحمت عليها زهرة الحياة، فما هي هذه الزهرة؟
في الحضارات القديمة قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد كان هناك إيمان سائد وممتد من الصين والهند إلى بلاد الرافدين ومصر القديمة أن للكون هندسة مقدسة على شكل زهرة متداخلة الأشكال، الذي يستطيع فهم هذه الزهرة سيصل إلى الانسجام التام مع الكون وقد يستطيع السيطرة على عناصره الأربعة النار والهواء والماء والتراب، لكن لن تتحقق هذه السيطرة إلا بفهم العنصر الخامس الخفي، وهنا ظهرت نبوءات عديدة تتحدث عن هذا الموضوع، وزهرة الحياة ما هي إلا درجة أولى من فكرة شجرة الحياة (شجرة الخلود) والباحث في هذا الموضوع سيجد شذرات متفرقة منه في الحضارات القديمة، لكن من أعطى أهمية قصوى لشجرة الحياة وجعلها ركنا من عقيدته هي طائفة القبالة (kabbalah) اليهودية (سأنشر حلقة خاصة عنها في هذه السلسلة).
بابل، الخلود، زهرة الحياة، جنة عدن، سوس الأقصى، عزازيل، مهلائل، يراع.. من هنا تشكلت الرواية ومن هنا انبثق عنوانها (بابل زهرة الحياة) رواية ضمن الصنف العجائبي تضم أزيد من 70 ألف كلمة، كل ما كنت أخشاه فيها على مستوى الشكل:
أن تكون مترهلة، أن تكون بنيتها مفككة، ألا أتحكم في خيوط حبكتها، ألا أسيطر على شخصياتها…
على مستوى المضمون:
لم أضع على عاتقي تلك الفكرة السائدة عن العمل الأول الذي يجب أن ينطلق من ذاتية المؤلف ، بأن يقحم نفسه فيه.
لم أخضع للضوابط التي تفرضها الساحة بأن يحترم العمل معايير المجتمع، فرواية بابل تنهل من مرجعيات فكرية ودينية ومعتقدات مختلفة (مسيحية يهودية فرعونية أشورية هرمسية…)
حيث أن الرقابة الذاتية الذي يفرضها الكاتب على نفسه تساهم في تسقيف عمله داخل صندوق محكم ينمط عمله وهذا ما حاولت الفرار منه.
بدأت كتابتها في منتصف عام 2016 وانتهيت منها أواخر سنة 2018 ولم أنشرها إلا في شهر دجنبر 2020 بعد إصابتي بجائحة كورونا حيث ظننت أنها القاضية فحاولت نشرها قبل موتي، لكن عمر الشقي بقي.
ترقبوا تفاصيلها قريبا

3 _ الغلاف: تعريف بصري لمضمون الرواية
يعتبر رمز الخاتم السليماني الذي يبتدئ بنجمة وينتهي بها من أهم العلامات التي تستعمل في العالم الروحاني، يعتقد البعض أن هذه الرموز كانت منقوشة في خاتم النبي سليمان، وبها كان يتحكم في عالم الجن والشياطيين، ويُعتقد أيضا أن الرموز السبعة تحتوي على اسم الله الأعظم الذي إذا دعيت به تستجاب، وهي ذائعة الاستعمال في العالم الروحاني وبعض طوائف الصوفية الباطنية وتعتبر الحجر الأساس لكل تعويذة أو وفق روحاني.
وبما أننا في عالم بابل، فقد استخدمت مدرسة الحكمة هذه الرموز، ثم حصل عليها بطل الرواية الذي استطاع ،بفضلها، الانتقال من مكان إلى آخر بلمح البصر كما يفعل بني الجن، ولهذا اعتقدت أنه من الواجب اقحام هذه الرموز في غلاف الرواية للدلالة على عالمها الروحاني.
يحتوي الغلاف كذلك “ميركابا” زهرة الحياة وهي كلمة عبرية ذكرت 44 مرة في العهد القديم.
مير: تعني ضوء
كا: تعني الروح
با: تعني الجسد
وحسب سفر حزقيال Merkabah مير كا با : تعني “روح جسم تحيط به حقول الضوء” الكلمة هي أقدم من العبرانية، حيث تجد لها امتداد في الحضارة الفرعونية القديمة وكانت إحدى طقوس ممارستهم السرية في التأمل.
موضوع الميركابا طويل، في رواية بابل سيطلع القارئ على ماهيتها.
ربما فكرة اقحام كل دلالات الرواية في غلافها هي فكرة خاطئة، وهذا ما حدث مع روايتي #بابلزهرةالحياة التي حاولت من خلال غلافها ابراز كل شيء: برج بابل المنهار، الألوان المتناقضة الحمراء والزرقاء، زهرة الحياة، الميركابا، النجوم … لو عاد بي الزمن قبل الطبع لاخترت لونين وصورة صغيرة فقط (الأذواق تتطور)
فضلت ألا أترك أمر الغلاف للدار الناشرة، لهذا مباشرة بعد انتهائي من كتابة الرواية استدعيت صديقي Otman Touri خبير الفوتوشوب ثم طلبت منه أن يخرج ما يجول في خاطري إلى حيز الوجود وبالفعل تم ذلك.