مقام البوح 28 – دخان في سماء القصر منذ 1934 ” عبد العزيز الكفايتي “

29 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي
بعض صباحات حينا كانت لاتخلو من رائحة و صوت خروف أوعجل على غير عيد أو عرس أو عقيقة تسمية مولود جديد كما هي أحياء أخرى بالقصر الكبير .
كنا نسمع جر الماشية وأصوات رجال الحي تسابقة و خلفه . بغياب الوالد رحمة الله عليه عن مائدة الفطور . ندرك أن با الصحراوي قد جمع فريقه من أجل ” الوزيعة ” وهي ذبيحة تضامنية إجتماعية . يشترك في ثمنها و مصاريف نقلها و أحيانا ذبحها و سلخها و تقطيعها – إذا لم يتطوع أحدهم في حالة كانت الذبيحة متوسطة الحجم – . بعدها يتم تقاسمها و توزيعها بالقرعة أو التراضي .بعض المرات كان با الصحراوي يقوم بشراء الذبيحة لوحده بثمنه الخاص ، بعد قيامه بإخبار رجال الحي بذلك . فيحضرون على الذبح و السلخ و يشترون منه أقساطا أو كيلوهات أو أجزاء ( الراس و الرجلين . الدوارة . الكبد و القلب و الطيحان …) بعدما يحدد ثمن ذلك ، في الغالب يكون مناسبا و أقل مما هو عليه بالسوق .
كان اللحم بالمنازل تغذية و إكراما للضيف و بنفس الطريقة يسهل تقاسمه و إستفاذة أهل الحي منه بثمن مناسب للجميع او من بعد حصة الصدقة و الإحسان و الإكرام لآخرين .
كان الضيف بفترتنا و حينا مثل أبواب مساكننا يكفي أن تطرق الباب و تسمع : أدخل . فماعليك سوى أن تنعم بالضيافة و الإكرام . كما هو حالنا حينما كنا نعود صغارا من المدارس ولا نجد أسرنا . ندخل بيت الجيران حسب توصياتهم بحب و أمان وثقة دون خديعة أو نكران لأخلاق” الجورة أو الطعام ”
كذلك ضيوف العائلة كانت أبوابنا مفتوحة لهم دون علم مسبق أحيانا . وفي حالة الإحراج ساعة غذاء أو تغيير نمطه كنا نقصد رجل أخلص لمهنته طويلا هو وعائلته . ” سي عبد العزيز الكفايتي ” بالذي فتحه مطعمه وجزارته بجوار حي الكزارين مطلع حي الطابية منذ سنة 1934 .( بمحل عاصر ثلاث ملوك . ) ليمتهن الجزارة و تقديم أطباق شواء الكفتة المحترمة ذات الذوق و الطريقة و التقديم الخاص بمحله .
وبجواره الأخ عبد الوهاب الذي صمد بعده للآن و الإبن الذي أخلص للعم و الأسرة و المحل .
دخان الشواء بهذا الفضاء كان جد مغري لنا إذ نجد أنفسنا داخل المحل بمعية قضبان و كأس منعنع من الشاي الساخن .
كان عبد العزيز رحمه الله ملاذ الأسر و الأهالي و البسطاء و العمال و الموظفين من أجل إقتناء أطباقه المشهود لها بالإتقان و الجودة طوال كل هذه السنوات .
المرور عبر القطار أو التوقف بمحطته القديمة مولاي المهدي كان أيضا جد.مغري للتوقف عند أصحاب المطاعم بعد رؤية دخان الشواء الذي كان حسب قول بعض العائلة و أصدقاء الأمس القادمين من خارج المدينة . كان الدخان بالمقطع السككي” المرينة ” إعلانا و تنبيها بوصولنا القصر الكبير . الذي كانوا يلقبونه أنذاك بقصر سوق سبتة .
إلى أن تعرض السوق لحريق مؤسف ذات صباح . و أعدمت محطة مولاي المهدي وسط المدينة [ فبدل محطتين تراجعنا لواحدة للأسف ] . و بعد إنتشار مسميات لأمراض تصيب الماشيةصدر القرار بمنع الذبائح إذ صارت سرية لا تضامنية أسرية .
لدخان أصالة المدينة حب و إشتياق .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading