
محمد أكرم الغرباوي
بعض صباحات حينا كانت لاتخلو من رائحة و صوت خروف أوعجل على غير عيد أو عرس أو عقيقة تسمية مولود جديد كما هي أحياء أخرى بالقصر الكبير .
كنا نسمع جر الماشية وأصوات رجال الحي تسابقة و خلفه . بغياب الوالد رحمة الله عليه عن مائدة الفطور . ندرك أن با الصحراوي قد جمع فريقه من أجل ” الوزيعة ” وهي ذبيحة تضامنية إجتماعية . يشترك في ثمنها و مصاريف نقلها و أحيانا ذبحها و سلخها و تقطيعها – إذا لم يتطوع أحدهم في حالة كانت الذبيحة متوسطة الحجم – . بعدها يتم تقاسمها و توزيعها بالقرعة أو التراضي .بعض المرات كان با الصحراوي يقوم بشراء الذبيحة لوحده بثمنه الخاص ، بعد قيامه بإخبار رجال الحي بذلك . فيحضرون على الذبح و السلخ و يشترون منه أقساطا أو كيلوهات أو أجزاء ( الراس و الرجلين . الدوارة . الكبد و القلب و الطيحان …) بعدما يحدد ثمن ذلك ، في الغالب يكون مناسبا و أقل مما هو عليه بالسوق .
كان اللحم بالمنازل تغذية و إكراما للضيف و بنفس الطريقة يسهل تقاسمه و إستفاذة أهل الحي منه بثمن مناسب للجميع او من بعد حصة الصدقة و الإحسان و الإكرام لآخرين .
كان الضيف بفترتنا و حينا مثل أبواب مساكننا يكفي أن تطرق الباب و تسمع : أدخل . فماعليك سوى أن تنعم بالضيافة و الإكرام . كما هو حالنا حينما كنا نعود صغارا من المدارس ولا نجد أسرنا . ندخل بيت الجيران حسب توصياتهم بحب و أمان وثقة دون خديعة أو نكران لأخلاق” الجورة أو الطعام ”
كذلك ضيوف العائلة كانت أبوابنا مفتوحة لهم دون علم مسبق أحيانا . وفي حالة الإحراج ساعة غذاء أو تغيير نمطه كنا نقصد رجل أخلص لمهنته طويلا هو وعائلته . ” سي عبد العزيز الكفايتي ” بالذي فتحه مطعمه وجزارته بجوار حي الكزارين مطلع حي الطابية منذ سنة 1934 .( بمحل عاصر ثلاث ملوك . ) ليمتهن الجزارة و تقديم أطباق شواء الكفتة المحترمة ذات الذوق و الطريقة و التقديم الخاص بمحله .
وبجواره الأخ عبد الوهاب الذي صمد بعده للآن و الإبن الذي أخلص للعم و الأسرة و المحل .
دخان الشواء بهذا الفضاء كان جد مغري لنا إذ نجد أنفسنا داخل المحل بمعية قضبان و كأس منعنع من الشاي الساخن .
كان عبد العزيز رحمه الله ملاذ الأسر و الأهالي و البسطاء و العمال و الموظفين من أجل إقتناء أطباقه المشهود لها بالإتقان و الجودة طوال كل هذه السنوات .
المرور عبر القطار أو التوقف بمحطته القديمة مولاي المهدي كان أيضا جد.مغري للتوقف عند أصحاب المطاعم بعد رؤية دخان الشواء الذي كان حسب قول بعض العائلة و أصدقاء الأمس القادمين من خارج المدينة . كان الدخان بالمقطع السككي” المرينة ” إعلانا و تنبيها بوصولنا القصر الكبير . الذي كانوا يلقبونه أنذاك بقصر سوق سبتة .
إلى أن تعرض السوق لحريق مؤسف ذات صباح . و أعدمت محطة مولاي المهدي وسط المدينة [ فبدل محطتين تراجعنا لواحدة للأسف ] . و بعد إنتشار مسميات لأمراض تصيب الماشيةصدر القرار بمنع الذبائح إذ صارت سرية لا تضامنية أسرية .
لدخان أصالة المدينة حب و إشتياق .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي