
محمد أكرم الغرباوي
ليل صيف المدينة طويل وحار ، سطوح المنازل لم تنعم بعد بالهدوء . لازالت الضحكات و بعض صراخ الأطفال لم يتوقف بعد . من بعيد صوت مكبر صوت عرس ينادي ” على السالباه لالاه عايشة مولات الواد ” . ورائحة معمل الشمنذر السكري تهب مرات بقرف و إمتعاض . لاشيء مغري للدخول مبكرا . مذياع صغير يرسل تهاني العشاق المشفرة عبر أغاني برنامج ” بيت الصداقة ”
تتبع طائرة عالية أو عد النجوم أو البحث عن نجمة دليل جوال الصحراء حيل لا تنفع للبقاء بين جدران لاهبة .
فكرة الخروج و متابعة سهرة أصدقاء البانكوان هي الحل كالعادة .
البنكوان فكرة ( حسن ) أحد أبناء المدينة أقام مقهى كشك صغير بالقرب من دار للشباب ، يجتمع عنده بعناية فائقة شباب المدينة و غالبيتهم أبناء الأحياء القريبة ، الأسر العريقة . لحضات إستمتاع شبابي كبيرة الإنتشاء . طاولات إجتمعت على كراسي المشروبات الباردة و طرطقات الفواكه الجافة و نكت عاليات القهقهات .
أن تحضى بجلسة بالبانكوان كان لزاما عليك الدخول ضمن مجموعة النخب . و المجموعة مجموعات يجمعها الإنتساب لكشك لايعترف بالضغينة أو الحقد او التنمر أو الخيانات .
كانت المجموعات تتحلق حول نواذر أو حكايات فائقة المتعة مع الناذر الأسطوري ” إدريس حوسا ” رحمه الله . [ حوسا رجل بسيط إستطاع بصفاء قلبه أن يصير كبيرا يحبه الكل . كان مالك الأجوبة السريعة و الرد المنتقى و النافذ ] لم يكن الإقتراب من طاولته بالسهل . و النظر إليه مطولا يعني أن ينالك قصف فكاهي ساخر قد يكون موضوع ضحكات الأمسية . الكل كان مستعد لقصفه ( كلاشات فكاهية قبل زمن الكلاش و عطيه العصير ) بروح رياضية و تقبل كان يتقلها الجميع ( عُرف البانكوان) . كانت طاولته لاتتغير نفسها نفس أفرادها وأحيانا ضيف قصري مقيم بأوربا . ومن ذرره الحكائية أن ( …طلب من رئيس المجلس البلدي بعد حفر شارع منزله لمرات متكررة في نفس الشهر . طلب منه أن يضع سلسلة مثل سلسلة قميص يفتحها متى أراد الحفر دون إزعاج أحد .)
تعددت حكاياه ورحل رحمه الله .كمجموعة أخرى تركت الضحكات و البسمات بمجموعاتنا .
رحل سي ادريس حوسا تاركا وراءه الكثير من القصص[ التي اتمنى التفاعل و نشرها تعليقا ✋] وفي نفس الآن الكثير من الأثر وحب أمكنة كانت بالأمس بسيطة لكنها كانت كل شيء أنذاك . وهي الآن هويتنا و ذاكرتنا المشتركة . التي مهما طوحت بنا المسافات و الأمكنة نعود اليها شوقا وحرقة .
الجلوس إلى أشخاص إعتبرتهم المدينة نواذر و شخوص غير عادية أنعم الله عليها بمحبة الناس و الإلتفاف حولها .
البانكوان كان فضاء سمر ليلي تجتمع به طاقات ومواهب و أساتذة المدينة . كان بداية تأسيس مجمع ليلي أنيق بما هو متاح و يليق .
كان الجلوس إلى طاولة الحديث و الضحك أرقى من جلوسنا اليوم نستمع إلى هرطقات مسائية أو أكاذيب نسايرها أو كلام في اللامعنى بوهم إمتلاك المعنى .
صرنا نجلس بحثا عن مكان به المبرد ” الكليما ” أكثر من مكان تسمو به ” الكلمة” و أدسنس اليوتوب بدل الكتب.
لإدريس حوسا الرحمة و المغفرة
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي.