مقام البوح 25 – رجال بطعم السكر

26 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي

بزقاق أنغام الخالدات هكذا يحلو تسميته ، على مقربة من حي النيارين و لالة عائشة الخضراء ،دكان صغير بمدخلين . به رجل حمل من المكارم و الأخلاق الرفيعة و الأمانة مايشهد له به كل من عرفه . المرحوم سيدي محمد الوهراني ، أشهر بائع حلويات الأعراس و المناسبات و رمضان و عاشوراء ( الشباكية و كويلش و المقروط وأنواع من الحلوى البلدية )
رجل متوسط القامة بشارب أسود ، حليق اللحية . وبزي عصري مرتب . و بجلباب مغربي و طربوش كل جمعة وعيد . رجل أحبه الصغار قبل الكبار ، كثير العطايا و الهدايا و الصدقات . عاشق للخالدات من روائع محمد عبد الوهاب و أم كلثوم و عبد الحليم و اسمهان …. وفي نفس الآن سميع لكبار القراء وقادر بأذنه الموسيقية السميعة أن يفرق بين صوت المنشاوي و عبد الباسط في مقامات مختلفة أو مشابهة . له مخارج حروف تجمع بين القاف و الألف و إبتسامة وديعة . كان ميزانه لايؤمن بتكافؤ الكفتين بل دائم الكرم .
خلف موته حزنا كبيرا لدى الساكنة وزبناءه . لازال الدكان نفسه و كلما دخلته أحسست أن رجلا كريما ترك به بركاته .
بمدخل و بوابة سوق الحناء المقابل لنافورة المنار . الدخول منه كان ولايزال برائحة العسل و السكر و التمر . محل آخر بابه مقسوم إلى قسمين ، ولكأنه نافذة علوية مفتوحة . به رجل أخلص لمهنته لسنوات طوال . تخصص في بيع حلوى كنا نسميها ( السلوم . أو كويلش ) كنا نشبهها بحروف اللغة الهندية أو الصينية . عجين ملتوي و متداخل . طري و شهي . كنا نراه فقط أيام عاشوراء . وكلما إشتقنا إليها نقصد سوق الحنة . لننال منها بترحاب كبير .
كانت بعض المناسبات و الزيارات العائلية المفاجئة تجعل أسرنا تقصد سي محمد الوهراني أو الحاج المكزاري رحمه الله بالقرب من البلاصة . محل كبير بمدخلين به فرن داخلي صغير و آخر لطهي الحلوى و الخبز تابع له بالقرب من دار الشباب الحريزي . كان محل المكزاري متخصص بشكل كبير في حلويات الأعراس و المناسبات إلى جانب إتقانه الشباكية و المقروط و ” المعسلة أو الملوزة” كنا نتوقف عنده في مساءات تجوالنا بالشارع لنشتري بعض من المعسلة أو المقروط نأكله بالشارع في إنتشاء دون تعقيد أو عقد .
وأذكر شهر رمضان الفضيل على مقربة من الخضارين حيت يقوم ” الرويضة ” بجمع أدوات إشتغاله و تحويل دكانه من محل لإصلاح التلفاز و الراديو . إلى محل بيع الحلويات في إطار البيع الموسمي . و استثمار مقولة ” حرفة بوك ليغلبوك ”
وكذا بساحة المرس و سيدي سعيد و عند الحاج الكرزازي رحمه الله بالقرب من محل المرحوم سيدي عبد السلام الجباري و الأخوين نخشى حفظهما الله بشارع محمد الخامس .
ومن أنواع الحلويات الأخرى التي كنا نشتهيها بقايا قطع الميلفي . من عند الرفاعي ونحن نحمل الى جانب كتبنا بالصف الإعدادي بالمنصور أو بالقرب من وادي المخازن .
وكان لرائحة وطعم حلوى الكريم بالمخبزة الوحيدة المتخصصة يومها في اعداد حلويات الزفاف و أعياد الميلاد الطرطات بطبقاتها .مخبزة أم القرى مخبزة الحاج الزيلاشي وسط المدينة .
هؤلاء من علموا و أسسوا لمحلات صارت هي الأخرى تتقن فن السكريات .
صناع الحلويات بالمدينة كانوا رجالا مهرة و خبراء في العجين و الطهي و التزيين إلى جانب نسوة فضليات إخترن الظل . ومنهن من سمعنا عن أسمائهن و صنعتهن المبهرة . التي كنا نسمع بعد تذوق النساء لحلوياتهن . ” و الله تقول غير معجونة بقوام الدار ” وهي دلالة الدلالة على الدلالة . و إعلان الجودة و الإبهار و الإنبهار بالذوق والصنعة و الأمانة و الإخلاص للمهنة .
رحم الله من أكلنا من أيديهم ومحلاتهم حلوا . و حفظ من بقي منهم ورزقهم أجرا .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading