محمد أكرم الغرباوي
بزقاق أنغام الخالدات هكذا يحلو تسميته ، على مقربة من حي النيارين و لالة عائشة الخضراء ،دكان صغير بمدخلين . به رجل حمل من المكارم و الأخلاق الرفيعة و الأمانة مايشهد له به كل من عرفه . المرحوم سيدي محمد الوهراني ، أشهر بائع حلويات الأعراس و المناسبات و رمضان و عاشوراء ( الشباكية و كويلش و المقروط وأنواع من الحلوى البلدية )
رجل متوسط القامة بشارب أسود ، حليق اللحية . وبزي عصري مرتب . و بجلباب مغربي و طربوش كل جمعة وعيد . رجل أحبه الصغار قبل الكبار ، كثير العطايا و الهدايا و الصدقات . عاشق للخالدات من روائع محمد عبد الوهاب و أم كلثوم و عبد الحليم و اسمهان …. وفي نفس الآن سميع لكبار القراء وقادر بأذنه الموسيقية السميعة أن يفرق بين صوت المنشاوي و عبد الباسط في مقامات مختلفة أو مشابهة . له مخارج حروف تجمع بين القاف و الألف و إبتسامة وديعة . كان ميزانه لايؤمن بتكافؤ الكفتين بل دائم الكرم .
خلف موته حزنا كبيرا لدى الساكنة وزبناءه . لازال الدكان نفسه و كلما دخلته أحسست أن رجلا كريما ترك به بركاته .
بمدخل و بوابة سوق الحناء المقابل لنافورة المنار . الدخول منه كان ولايزال برائحة العسل و السكر و التمر . محل آخر بابه مقسوم إلى قسمين ، ولكأنه نافذة علوية مفتوحة . به رجل أخلص لمهنته لسنوات طوال . تخصص في بيع حلوى كنا نسميها ( السلوم . أو كويلش ) كنا نشبهها بحروف اللغة الهندية أو الصينية . عجين ملتوي و متداخل . طري و شهي . كنا نراه فقط أيام عاشوراء . وكلما إشتقنا إليها نقصد سوق الحنة . لننال منها بترحاب كبير .
كانت بعض المناسبات و الزيارات العائلية المفاجئة تجعل أسرنا تقصد سي محمد الوهراني أو الحاج المكزاري رحمه الله بالقرب من البلاصة . محل كبير بمدخلين به فرن داخلي صغير و آخر لطهي الحلوى و الخبز تابع له بالقرب من دار الشباب الحريزي . كان محل المكزاري متخصص بشكل كبير في حلويات الأعراس و المناسبات إلى جانب إتقانه الشباكية و المقروط و ” المعسلة أو الملوزة” كنا نتوقف عنده في مساءات تجوالنا بالشارع لنشتري بعض من المعسلة أو المقروط نأكله بالشارع في إنتشاء دون تعقيد أو عقد .
وأذكر شهر رمضان الفضيل على مقربة من الخضارين حيت يقوم ” الرويضة ” بجمع أدوات إشتغاله و تحويل دكانه من محل لإصلاح التلفاز و الراديو . إلى محل بيع الحلويات في إطار البيع الموسمي . و استثمار مقولة ” حرفة بوك ليغلبوك ”
وكذا بساحة المرس و سيدي سعيد و عند الحاج الكرزازي رحمه الله بالقرب من محل المرحوم سيدي عبد السلام الجباري و الأخوين نخشى حفظهما الله بشارع محمد الخامس .
ومن أنواع الحلويات الأخرى التي كنا نشتهيها بقايا قطع الميلفي . من عند الرفاعي ونحن نحمل الى جانب كتبنا بالصف الإعدادي بالمنصور أو بالقرب من وادي المخازن .
وكان لرائحة وطعم حلوى الكريم بالمخبزة الوحيدة المتخصصة يومها في اعداد حلويات الزفاف و أعياد الميلاد الطرطات بطبقاتها .مخبزة أم القرى مخبزة الحاج الزيلاشي وسط المدينة .
هؤلاء من علموا و أسسوا لمحلات صارت هي الأخرى تتقن فن السكريات .
صناع الحلويات بالمدينة كانوا رجالا مهرة و خبراء في العجين و الطهي و التزيين إلى جانب نسوة فضليات إخترن الظل . ومنهن من سمعنا عن أسمائهن و صنعتهن المبهرة . التي كنا نسمع بعد تذوق النساء لحلوياتهن . ” و الله تقول غير معجونة بقوام الدار ” وهي دلالة الدلالة على الدلالة . و إعلان الجودة و الإبهار و الإنبهار بالذوق والصنعة و الأمانة و الإخلاص للمهنة .
رحم الله من أكلنا من أيديهم ومحلاتهم حلوا . و حفظ من بقي منهم ورزقهم أجرا .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي