مقام البوح 24 _ القهوة ديال أتاي – ” مقهى الشاي

25 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي
–جميلة هي المفارقة الإسمية ” القهوة ديال أتاي ” هي مقهى الشاي .( الأولى مكان و الثاني مشروب ) . كثيرة هي مقاهي مدينتي التي كانت تختص في إعداد وتقديم الشاي فقط لزبناءها . مقهى صغير في الغالب به شخصان أو ثلاث رجال . واحد يعد الشاي بزاوية و آخر ناذل يوزعه داخل وخارج المقهى و ثالثها إما فتى صغير مكلف بتوصيل الشاي لزبناء خارج المقهى فالغالب حرفيون و صناع تقليديون و مكلف أيضا بغسل الأكواب . و أحيانا يكون الثالث صاحب محل في ركن يقوم بأخد قطعات خشبية صغيرة من الناذل عن كل كوب واحدة ( الفيتشات )

أذكر خمسة إلى ستة مقاهي شاي . منها ” مقهى الجلدة” العتيدة بطقوسها و شخوصها و حكايتتها التي لايمكن حصرها في بوح . بالقرب من عبد العزيز صاحب أقدم محل شواء الكفتة . مقهى الجلدة الذي عايش و تعايش مع البسطاء وغيرهم . كانت عالما صغيرا من القصص اليومية . لاتهدأ في حديث عن كرة و سياسة وغلاء أسعار و نفقة وزواج و بيع و طلاق و رهان و مراهنة و لفافات و ضحكات وقفشات . وهي محل استراحة و تفكير مرتادي ملحقة المحكمة الشرعية و العدول و النساخ …
مقهى ” الكورضو” بالقرب من ساحة سيدي بو أحمد و بنايات شارع القنصليات الاسباني . مقهى بمعمارها المثير لكل داخل جديد إليها . مدخل يؤدي إلى مدخل آخر و ساحة خارجية . لكل فضاء سحره و عوالمه . الداخلي حيت الدالية لعشاق جيل الغيوان و البوب و الرصاد والحديث عن المعتق و الوسط فضاء النقاش الحرفي و مغازلة المعلم و الزيزوة ( آنية من نحاس صرف بيد طويلة في جنبها بمثابة براد.كبير ) و الساحة فضاء مفتوح إلى الآن لشرب الشاي و المراهنة على من يؤدي ثمنه بعد أشواط من لعبة البارتشي .
و نذكر كثيرا مقهى ” المعلم البوكيلي” تحت مفوضية الشرطة قديما . محل ببابين الأول يطل على كشك مثلجات الكرط و الآخر مفتوح على الحاج الطرنباطي . كان الوكيلي يتخذ مكانا لإستخلاص أكواب الشاي من الزبناء . وأحاديثه عن كبار الموسيقيين العرب . و تاريخ المدينة و ماقام به جيش التحرير بعد نبشه الحديث مع بعض متقاعديه الذين كانوا يختارون المقهى محلا لهم .
و بمحاداته و مكتبة الميليكي ” مقهى أتاي ” حيث عزيز حاليا هذه التي جمعت الكثير من الطلبة و العمال و المهنيين ورجال الدين و اللفافة و الثقافة و غيرهم … إستطاعت كراسيها و طاولاتها أن تجمع بين التناقض في كل شيء كقهوة شاي . عزيز ظل كمن سبقوه و ترك المقهى كما بنيت عليه بطابقها العلوي الضيق المطل على الخارج بالروائح الزكيات . و بفضاءه الداخلي حيت مدار صغير لمن يبادلون عزيز أحاديثه وهمومه و حكاياته الخاصة . وفضاء خارجي يكتسح الساحة أحيانا في هدوء و حديث طويل .
مقاهي الشاي فضاءات شعبية للحديث و تبادل الكلام . فضاء حقيقي لمن لافضاء و لاصديق وأهل له .
كثيرا ما قابلنا و حدثنا غرباء و شيوح وأفراد قادنهم الظروف لمدينة رأسمالها الرمزي . مدينة عتيقة قدما و عتقا .
هنا بهذه الفضاءات و الشاي موحدها . رأيت الأصدقاء الذين لم تفرقهم السنوات ولم تمسهم الخيانات ، أو تعالي المهن و الصفات . هنا الإخلاص لحديث الشاي فقط و أروع النغمات . مقاهي الشاي لم تغير جلدها رغم كبر روادها .صمدت لغاية خيانة الإسمنت .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب ومخرج مسرحي .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading