
محمد أكرم الغرباوي
–جميلة هي المفارقة الإسمية ” القهوة ديال أتاي ” هي مقهى الشاي .( الأولى مكان و الثاني مشروب ) . كثيرة هي مقاهي مدينتي التي كانت تختص في إعداد وتقديم الشاي فقط لزبناءها . مقهى صغير في الغالب به شخصان أو ثلاث رجال . واحد يعد الشاي بزاوية و آخر ناذل يوزعه داخل وخارج المقهى و ثالثها إما فتى صغير مكلف بتوصيل الشاي لزبناء خارج المقهى فالغالب حرفيون و صناع تقليديون و مكلف أيضا بغسل الأكواب . و أحيانا يكون الثالث صاحب محل في ركن يقوم بأخد قطعات خشبية صغيرة من الناذل عن كل كوب واحدة ( الفيتشات )
أذكر خمسة إلى ستة مقاهي شاي . منها ” مقهى الجلدة” العتيدة بطقوسها و شخوصها و حكايتتها التي لايمكن حصرها في بوح . بالقرب من عبد العزيز صاحب أقدم محل شواء الكفتة . مقهى الجلدة الذي عايش و تعايش مع البسطاء وغيرهم . كانت عالما صغيرا من القصص اليومية . لاتهدأ في حديث عن كرة و سياسة وغلاء أسعار و نفقة وزواج و بيع و طلاق و رهان و مراهنة و لفافات و ضحكات وقفشات . وهي محل استراحة و تفكير مرتادي ملحقة المحكمة الشرعية و العدول و النساخ …
مقهى ” الكورضو” بالقرب من ساحة سيدي بو أحمد و بنايات شارع القنصليات الاسباني . مقهى بمعمارها المثير لكل داخل جديد إليها . مدخل يؤدي إلى مدخل آخر و ساحة خارجية . لكل فضاء سحره و عوالمه . الداخلي حيت الدالية لعشاق جيل الغيوان و البوب و الرصاد والحديث عن المعتق و الوسط فضاء النقاش الحرفي و مغازلة المعلم و الزيزوة ( آنية من نحاس صرف بيد طويلة في جنبها بمثابة براد.كبير ) و الساحة فضاء مفتوح إلى الآن لشرب الشاي و المراهنة على من يؤدي ثمنه بعد أشواط من لعبة البارتشي .
و نذكر كثيرا مقهى ” المعلم البوكيلي” تحت مفوضية الشرطة قديما . محل ببابين الأول يطل على كشك مثلجات الكرط و الآخر مفتوح على الحاج الطرنباطي . كان الوكيلي يتخذ مكانا لإستخلاص أكواب الشاي من الزبناء . وأحاديثه عن كبار الموسيقيين العرب . و تاريخ المدينة و ماقام به جيش التحرير بعد نبشه الحديث مع بعض متقاعديه الذين كانوا يختارون المقهى محلا لهم .
و بمحاداته و مكتبة الميليكي ” مقهى أتاي ” حيث عزيز حاليا هذه التي جمعت الكثير من الطلبة و العمال و المهنيين ورجال الدين و اللفافة و الثقافة و غيرهم … إستطاعت كراسيها و طاولاتها أن تجمع بين التناقض في كل شيء كقهوة شاي . عزيز ظل كمن سبقوه و ترك المقهى كما بنيت عليه بطابقها العلوي الضيق المطل على الخارج بالروائح الزكيات . و بفضاءه الداخلي حيت مدار صغير لمن يبادلون عزيز أحاديثه وهمومه و حكاياته الخاصة . وفضاء خارجي يكتسح الساحة أحيانا في هدوء و حديث طويل .
مقاهي الشاي فضاءات شعبية للحديث و تبادل الكلام . فضاء حقيقي لمن لافضاء و لاصديق وأهل له .
كثيرا ما قابلنا و حدثنا غرباء و شيوح وأفراد قادنهم الظروف لمدينة رأسمالها الرمزي . مدينة عتيقة قدما و عتقا .
هنا بهذه الفضاءات و الشاي موحدها . رأيت الأصدقاء الذين لم تفرقهم السنوات ولم تمسهم الخيانات ، أو تعالي المهن و الصفات . هنا الإخلاص لحديث الشاي فقط و أروع النغمات . مقاهي الشاي لم تغير جلدها رغم كبر روادها .صمدت لغاية خيانة الإسمنت .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب ومخرج مسرحي .