مقام البوح 23 – مكاتب، ثقة – القضايا و الخدمات العمومية

25 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي
المرور بالقرب من مقر الغرفة الصناعية نزولا من الثانوية المحمدية كان يثيره مدخل باب بيافطة بالأبيض وخط أزرق أنيق ، لمعهد صغير يعنى بتعليم الرقن على الآلة الكاتبة . هذا المكان كان يجانب مكاتب إدارية مصفوفة على بعد أمتار منه و مقر المحكمة الإبتدائية و أخرى كنا نعرفها بإسم المحكمة الشرعية .
السير بقرب هذه الأخيرة بشارع مسجد الفتح ، شبيه بالسير في ممر إداري أرضي . محلات الكتابة العمومية على جانبين متقابلين ، الأعوان / المفوضون القضائيون . العدول . المحامون … مكاتب أنيقة بواجهات زجاجية بداخلها زوار مرتفقون ومكاتب و حواسيب و أوراق ووثائق إدارية .
محلات قضاء الأغراض الإدارية الصرفة . و الإستشارة القانونية . هي مهنة تحتاج الكثير من الدربة و الصنعة القانونية و القراءة و تتبع المساطر والإجراءات و الوثائق و أنواعها . الكتابة العمومية كانت في بداياتها مهنة خبراء خواص . كانت لهم جلسات يومية أو شبه يومية مه رجالات القانون بالمدينة . وكانوا أكثر حرصا على سلك الطرائق و كتابة المقالات و العقود و الشكايات و الإلتزامات بأمانة و صدق و إخلاص للمهنة بدء من الفاضل المقتدر حفظه الله سيدي الحاج الغالي الذي تدرج بعد تأسيسه لأبجديات هذه المهنة وإتخاذه سلك ادإدارة التربية و التعليم مسارا آخر . ومن بعده كتاب عموميون كثر أخلصوا للمهنة كالوهراني و الجباري و الشريف الوزاني و عبد الواحد مومن و عبد الرفيع و العرابي و شحموط و الصمدي ….و آخرون كرام …
ومن المكاتب الإدارية الخاصة الأخرى التي كانت تثيرنا ، مكاتب كنا نخال أصحابها معاجم لغوية عالمية مفتوحة . و نحن نقرأ على أبواب واجهات محلاتهم . ” ترجمان محلف” لدى القنصلية الإسبانية و الفرنسية و الإنجليزية … كان المرحوم برحمة الله الحاج الهواري الرجل النزيه الذي كانت تصطف عنده طوابير المتقاعدين و المتقاعدات بهولاندا و جبل طارق و اسبانيا . وكذا المهاجرون الشرعيون من أجل ترجمة الوثائق و الإستشارة القانونية . كان مكتبه أنيقا كشخصه الكريم رحمه الله . و على مقربة منه كان الفاضل المرحوم العمراني بزيه العصري و ربطة عنقه الرقيقة . كان يقف كأرستقراطي مثقف . كان يحيي التلاميذ ويدعوهم للكد و النجاح كلما مروا من مكتبه حيت إعدادية المنصور الذهبي .
و كذا المرحوم الهواري بالقرب من استوديو بنونة وآخرون.
ومن المكاتب المبهرة أيضا التي كانت تجعلنا نقف عندها لوقت طويل . فنستلهم أسرار الخطوط و التأمل الدقيف . و الدقة في إستعمال القلم . مكتب المرحوم المصمم و المهندس المدني الطوبغراف المرحوم الأستاذ الفاضل ” فراجي الحنبلي ” كان ينظر إلينا في صمت و هدوء و إبتسامة مشرقة ثم يكمل عمله . بزيه الأنيق و قامته الطويلة السمراء بلون أهل الجنوب الكرام و نظارته السميكة كان يقف أمام لوحة ناصعة البياض كبيرة الحجم . كان ورقها الكبير يثير فضولنا من أين يحصل عليه !؟. وكذا أقلامه الرقيقة الدقيقة و تلك المساطر و الأعواد ..كنا نعتلي درجا لننعم بما يرسم . وفي كل مرة نعاود المشهد دون أن يمل منا .
كانت مكاتب إدارة القرب تستقبل المواطنين ولاتزال بمدينتي . أذكر يوم فكرت إمتهان هذه الخدمة ذات يوم ، أحسست برهبة ، سرعان ماتلاشت بعد دربة ووتعلم ودراسة . لكن بعض أسرارها لا يتعلم ولا يكتسب . هو مراس يومي أساسه ثقة الناس و التملك من أسرار وحكمة الأمانة و الأمانات و إصلاح ذات البين أكثر من الربح المادي. – ماهو ماكان يقوم بشهادة حق الفاضل الحاج الغالي اذ يصلح بين الناس بعيدا عن التقاضي- .
في مدينة صغيرة ، كبيرة بشخوصها الخلص لأدوارهم و مهامهم . و محلاتها المختلفة الأنيقة . كان الإنبهار الطفولي سهلا ليسكن ذاكرتنا أعمارا .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب ومخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading