
محمد أكرم الغرباوي
عرفته صغيرا يُحمل على الأكتاف فرحا، كل أحد صباحا يصعد الأكثر من أربعين درجا . ليصل إلى فضاء التربية و التعليم و التنشيط الخاص بنادي الطفل بالجمعية الإسلامية يومها . كبر الطفل ونما وسما و صار الفتى الذي يتقن كل فنون القول و الفن . أذكر يوم فاجأني بطلب زيارته إلى ثانوية مولاي يوسف بطنجة . وجدته أعدَّ رفقة زملاء له أسبوعا ثقافيا شرفني يوم إفتتاحه بتكريم . تدرج اليافع الشاب في دورات تدريبية في فن المقامات الموسيقية . و الموازين و الميازين و الإيقاع دون إغفال دراسته . كان منذ طفولته مهووس إيقاع و دربكة وميزان . أذكر أيضا يوم أسست فرقة مسرحية بمدينتي بعد عودتي من رحلة دراسية جامعية . عانق معي المسرح رفقة كريم المودن أسماء الخطيب عبد العزيز لحلو وغيرهم … فكانت البداية مرافعة مسرحية بالنادي المغربي حينما تم توقيف محطة القطار وسط المدينة ( نص في ضيافة مولاي المهدي ) أتذكرون كريم ، أسماء ، لحلو ؟!
وجدته حافظا ذكي سريع التلقي و الإستجابة ، فعاودنا التجربة بنص مسرحي طويل ( مسرحية جدران من صمت ) كان على خشبة المسرح ( خشبة كنا نصنعها بانفسنا ليلا من صناديق المشروبات الغازية التي كنت نكتريها لنعتليها مساء بشرف بالمركز الثقافي يوم لم تكن دار الثقافة ) وقف أمام الجميع في أول حوار طويل ليمنح الفرقة ثقة البدايات . ” على حافة المقبرة أيقضنا الحكاية . …. ” بهذا نطق المرحوم الحي بيننا ، شهيد حوادث السير ” صهيب طابلو العروصي ” رحمه .
سافر طنجة و إعتلى بها مجد التربية والتعليم مؤطرا تربويا و إداريا بمؤسساتها التعليمية الخاصة . كان فنانا أنيقا ألقا وهجا متوهجا بين كبريات الفرق الطربية الأصيلة العريقة التي تمجد الكلمة و اللحن الراقي الطروب . وكذا مسرحيا كبيرا مؤسسا لبعث مسرحي شبابي يُخلص للخشبة و أسرارها الجمالية .فكان من الفريق المؤسس لفكرة مهرجان دولي للمسرح في دورته الأولى .
ذات ليل حزين أخبرني والده با العروصي الخلوق الشهم الأصيل . وصديقي الأريب الخلوق الفنان عبد الصمد بريان أن صهيب رحمه الله في حادثة سير . و الليلة سنستقبل جثمانه بمنزلهم بحي الأندلس .
لم يكن قد مرت حوالي سنة و نصف و صهيب يشاركني فرحة نجاح مهرجان وثريات القصر الكبير بمعية الفنان جهاد البدوي . و صهيب يتفنن رحمه الله في امتاع الجمهور بآلاته الإيقاعية المتنوعة إخلاصا لمدينته و إنتصارا لمحبتنا .
إستقبلناه إستقبال الشهداء . إستقبلناه عريسا .
إستقبلناه ملاكا .
أمام ذهولنا و بكاءنا و دهشتنا و حزننا ..
أمام هول الوداع كتبناه وعدا أن لاننساه .
…. وفي ومضة من الزمن أخلص له ولمحبته و للمشترك الانساني و الثقافي و الفني و الحضاري للفنان المسرحي عبد المطلب النحيلي وإدارة مهرجانه . فكانت آخر دورات مهرجانه الدولي ووداعه لمدينته أيضا يحمل اسم ” دورة المرحوم صهيب طابلو العروصي ” .
رحل صهيب صغيرا كبيرا في قلوبنا و محبتنا . كما رحل من أخلصوا قبله لتربة الفن الأصيل و الثقافة الأصيلة بعيدا عن منصات البهرجة و الضوء الخاذع .
هكذا وداع الأخيار غصته لاتتثلج . عليك الرحمة ملاك المسارح
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي