مقام البوح 19 صهيب طابلو : ملاك فوق المسارح

20 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي
عرفته صغيرا يُحمل على الأكتاف فرحا، كل أحد صباحا يصعد الأكثر من أربعين درجا . ليصل إلى فضاء التربية و التعليم و التنشيط الخاص بنادي الطفل بالجمعية الإسلامية يومها . كبر الطفل ونما وسما و صار الفتى الذي يتقن كل فنون القول و الفن . أذكر يوم فاجأني بطلب زيارته إلى ثانوية مولاي يوسف بطنجة . وجدته أعدَّ رفقة زملاء له أسبوعا ثقافيا شرفني يوم إفتتاحه بتكريم . تدرج اليافع الشاب في دورات تدريبية في فن المقامات الموسيقية . و الموازين و الميازين و الإيقاع دون إغفال دراسته . كان منذ طفولته مهووس إيقاع و دربكة وميزان . أذكر أيضا يوم أسست فرقة مسرحية بمدينتي بعد عودتي من رحلة دراسية جامعية . عانق معي المسرح رفقة كريم المودن أسماء الخطيب عبد العزيز لحلو وغيرهم … فكانت البداية مرافعة مسرحية بالنادي المغربي حينما تم توقيف محطة القطار وسط المدينة ( نص في ضيافة مولاي المهدي ) أتذكرون كريم ، أسماء ، لحلو ؟!
وجدته حافظا ذكي سريع التلقي و الإستجابة ، فعاودنا التجربة بنص مسرحي طويل ( مسرحية جدران من صمت ) كان على خشبة المسرح ( خشبة كنا نصنعها بانفسنا ليلا من صناديق المشروبات الغازية التي كنت نكتريها لنعتليها مساء بشرف بالمركز الثقافي يوم لم تكن دار الثقافة ) وقف أمام الجميع في أول حوار طويل ليمنح الفرقة ثقة البدايات . ” على حافة المقبرة أيقضنا الحكاية . …. ” بهذا نطق المرحوم الحي بيننا ، شهيد حوادث السير ” صهيب طابلو العروصي ” رحمه .
سافر طنجة و إعتلى بها مجد التربية والتعليم مؤطرا تربويا و إداريا بمؤسساتها التعليمية الخاصة . كان فنانا أنيقا ألقا وهجا متوهجا بين كبريات الفرق الطربية الأصيلة العريقة التي تمجد الكلمة و اللحن الراقي الطروب . وكذا مسرحيا كبيرا مؤسسا لبعث مسرحي شبابي يُخلص للخشبة و أسرارها الجمالية .فكان من الفريق المؤسس لفكرة مهرجان دولي للمسرح في دورته الأولى .
ذات ليل حزين أخبرني والده با العروصي الخلوق الشهم الأصيل . وصديقي الأريب الخلوق الفنان عبد الصمد بريان أن صهيب رحمه الله في حادثة سير . و الليلة سنستقبل جثمانه بمنزلهم بحي الأندلس .
لم يكن قد مرت حوالي سنة و نصف و صهيب يشاركني فرحة نجاح مهرجان وثريات القصر الكبير بمعية الفنان جهاد البدوي . و صهيب يتفنن رحمه الله في امتاع الجمهور بآلاته الإيقاعية المتنوعة إخلاصا لمدينته و إنتصارا لمحبتنا .
إستقبلناه إستقبال الشهداء . إستقبلناه عريسا .
إستقبلناه ملاكا .
أمام ذهولنا و بكاءنا و دهشتنا و حزننا ..
أمام هول الوداع كتبناه وعدا أن لاننساه .
…. وفي ومضة من الزمن أخلص له ولمحبته و للمشترك الانساني و الثقافي و الفني و الحضاري للفنان المسرحي عبد المطلب النحيلي وإدارة مهرجانه . فكانت آخر دورات مهرجانه الدولي ووداعه لمدينته أيضا يحمل اسم ” دورة المرحوم صهيب طابلو العروصي ” .
رحل صهيب صغيرا كبيرا في قلوبنا و محبتنا . كما رحل من أخلصوا قبله لتربة الفن الأصيل و الثقافة الأصيلة بعيدا عن منصات البهرجة و الضوء الخاذع .
هكذا وداع الأخيار غصته لاتتثلج . عليك الرحمة ملاك المسارح
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading