مقام البوح 19 – الفوتوغراف ، قناص حب

19 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي

في يومهم العالمي ، كل عام و فوتوغراف العالم بألف خير .

لم تكن تفُق أصابع اليد . محلات بواجهات زجاجية كبيرة ، كنا نقف عندها لدقائق طويلة ، نبحث عن شخوص نعرفها ، أو أخرى نحاول تذكرها و تشبيهها . بالواجهة أيضا بعض آلات عتيقة تؤرخ بدورها لتاريخا و تأريخها .
بشارع ذي معمار عصري فوق بناية ذي طراز ممزوج بين مغربي و إسباني ، بالقرب من البلاصة ( السوق المركزي ) ، يستقبل الحاج سي محمد بنونة متعه الله بالصحة و العافية ، زواره وزبناءه بإبتسام وكرم . محل كبير واسع . به باب مفضي للداخل حيت مختبر التصوير و التحميض و إخراج و إستخراج الصور .
الدخول عنده شبيه بسفر في التاريخ . صور كبيرة و متوسطة و صغيرة بكل المقاييس و الأحجام . منها القديمة بالأبيض و الأسود وأخرى بالألوان .كانت تسافر بنا هذه الصور إلى عوالم القصر الكبير الذي نسمع عنه فقط ، جنة و زمنا جميلا . بنافوراته و بناياته و بشخوصه أيضا . كانوا أنفة و عزة و نخوة كانوا رجال ونساء حضارة .
الحاج بنونة أول من رسى على فلك توثيق المدينة و شخوصها و أرخ لها بالصورة . بكل ثقة . يوم كانت الصورة لحضة إستثناء وفرح ونحن ندلي بها في بدايات مواسمنا الدراسية إعلانا لعام دراسي تربوي جديد .أو قضاء لغرض إداري ، أو بأعيادنا ومواسنا السعيدة حيت نافورات المدينة تعج بقناصي الجمال و اللحضات المشرقة . و بأعراسنا كان مصور وقناص الفرح شرطا و إتفاقا بين الأصهار و العرسان عن من يتكلف به ، كان طقسا ضروريا من طقوس العرس ، و للصور الجماعبة بمدارسنا سحر وتأثير خاص . وأذكر كم كان دعاؤنا طويلا و نحن نشتري الكليشي 12او 24او 36 صورة و نحن نتمنى دورانه داخل رحى آلاتنا الصغيرة . وكم مرة صورنا محطات دون صور .
بحي السويقة المطل على الحديقة كان ولايزال أحد اقدم استوديوهات المدينة (أفريكا ) لصاحبة سي عبد الكريم بنونة الذي كان محط سؤالنا الدائم عن الالات و الفيلم . وكيف يحول شريط أسود إلى صور بالألوان . كم إستهوتنا صورنا في أماكن لم نزرها أو بين الورود بعد توضيبه ( كارت بوسطال) خلال صورنا يوم أعياد الميلاد أو رأس السنة الميلادية .
هو نفسه الإنبهار و نحن نتأمل في كل قديم بواجهة الحاج بنونة قرب البلاصة صور لاعبي المنتخبات الرياضية .
و عند الحاج التمسماني الذي كان يهدينا أولا صورة بحجم متوسط بعد إستخراج و تحميض الفيلم الذي قمنا بتصويره خلال رحلاتنا الدراسية . بالقرب ساحة التحرير و مقهى غرناطة .
وأذكر عزيز عزوز بحي السويقة الذي كان كثيرا التأمل في أشياء بسيطة ليفاجئنا و نحن ننظر إلى تأمله بتصوير بعض اللقطات على حائط قديم أو شرخة باب أو سماء .. كان إستثناء في إلتقاط الصور و الكتابة عليها . إلى أن علمنا بعد رحليه إلى اسبانيا أن كتابته تلك كانت أشعاره . و الصور كان يستثمرها أغلفة للكتب و الدواوين .
صناع وقناصي الزمن و الحركة منذ الفاضل الأنيق بيوطا صاحب إشارة اليد إلى الأعلى وفرقعة الأصابع إعلانا بأخد اللقطة . والبهي صاحب الإبتسامة و القدرة على سرقة اللقطات المذهلة للأطفال الأصيل الكشكاري رحمه الله عليه . و الشريف الأحمدي العروصي المخلص للأهالي و أمين أسرار الأعراس . كانوا أمناء ومحل ثقة الساكنة و الزوار ، كانوا أصحاب محلات أو مستخدمين . كثير منهم كان صاحب آلة تصوير و صنعة ومهارة و فنية و تقنية عالية في إختيار اللقطة و الزاوية و الضوء والمسافة و الإرتفاع . ( ترى من علمهم علم التصوير ) هو ما أهلهم ليحصلوا على مكان كمصورين بين زملاءهم في أماكن إختاروها بعناية وذوق جمالي كبير . حدائق و نافورات ومعالم ….
دون إنذار، هجم الإسمنت على المدينة وشوًّه بعض معالمها الجمالية . كما هاجمت كاميرا الهواتف على معدات التصوير اليدوية و النيكاتيف و الكلتشيه و الزومات و الفلاش …
كم كان محزنا ذات يوم و نحن نرى كاميرا وحيدة على كتف يطوف ، يصول و يجول بنافورة تحمل إسما فقط . جفًَ ماؤها أو سيجت أطراف حديقتها . ولكأن كثيرا من المعاول أوقفت صوتا يقول جهرا .” واحد زوج ثلاثة . اضحك . تراااااك .،”
صار من الممكن الآن أخذ عشرات الصور بدل واحدة . و بفلترات مختلفة أنواعها . لكن يبقى لساحرية لقطة قناص اللحظة بآلته العتيقة أروع الفلترات الأصيلة .
كل عام وفوتوغراف العالم بألف جمال .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب ومخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading