محمد أكرم الغرباوي
في يومهم العالمي ، كل عام و فوتوغراف العالم بألف خير .
لم تكن تفُق أصابع اليد . محلات بواجهات زجاجية كبيرة ، كنا نقف عندها لدقائق طويلة ، نبحث عن شخوص نعرفها ، أو أخرى نحاول تذكرها و تشبيهها . بالواجهة أيضا بعض آلات عتيقة تؤرخ بدورها لتاريخا و تأريخها .
بشارع ذي معمار عصري فوق بناية ذي طراز ممزوج بين مغربي و إسباني ، بالقرب من البلاصة ( السوق المركزي ) ، يستقبل الحاج سي محمد بنونة متعه الله بالصحة و العافية ، زواره وزبناءه بإبتسام وكرم . محل كبير واسع . به باب مفضي للداخل حيت مختبر التصوير و التحميض و إخراج و إستخراج الصور .
الدخول عنده شبيه بسفر في التاريخ . صور كبيرة و متوسطة و صغيرة بكل المقاييس و الأحجام . منها القديمة بالأبيض و الأسود وأخرى بالألوان .كانت تسافر بنا هذه الصور إلى عوالم القصر الكبير الذي نسمع عنه فقط ، جنة و زمنا جميلا . بنافوراته و بناياته و بشخوصه أيضا . كانوا أنفة و عزة و نخوة كانوا رجال ونساء حضارة .
الحاج بنونة أول من رسى على فلك توثيق المدينة و شخوصها و أرخ لها بالصورة . بكل ثقة . يوم كانت الصورة لحضة إستثناء وفرح ونحن ندلي بها في بدايات مواسمنا الدراسية إعلانا لعام دراسي تربوي جديد .أو قضاء لغرض إداري ، أو بأعيادنا ومواسنا السعيدة حيت نافورات المدينة تعج بقناصي الجمال و اللحضات المشرقة . و بأعراسنا كان مصور وقناص الفرح شرطا و إتفاقا بين الأصهار و العرسان عن من يتكلف به ، كان طقسا ضروريا من طقوس العرس ، و للصور الجماعبة بمدارسنا سحر وتأثير خاص . وأذكر كم كان دعاؤنا طويلا و نحن نشتري الكليشي 12او 24او 36 صورة و نحن نتمنى دورانه داخل رحى آلاتنا الصغيرة . وكم مرة صورنا محطات دون صور .
بحي السويقة المطل على الحديقة كان ولايزال أحد اقدم استوديوهات المدينة (أفريكا ) لصاحبة سي عبد الكريم بنونة الذي كان محط سؤالنا الدائم عن الالات و الفيلم . وكيف يحول شريط أسود إلى صور بالألوان . كم إستهوتنا صورنا في أماكن لم نزرها أو بين الورود بعد توضيبه ( كارت بوسطال) خلال صورنا يوم أعياد الميلاد أو رأس السنة الميلادية .
هو نفسه الإنبهار و نحن نتأمل في كل قديم بواجهة الحاج بنونة قرب البلاصة صور لاعبي المنتخبات الرياضية .
و عند الحاج التمسماني الذي كان يهدينا أولا صورة بحجم متوسط بعد إستخراج و تحميض الفيلم الذي قمنا بتصويره خلال رحلاتنا الدراسية . بالقرب ساحة التحرير و مقهى غرناطة .
وأذكر عزيز عزوز بحي السويقة الذي كان كثيرا التأمل في أشياء بسيطة ليفاجئنا و نحن ننظر إلى تأمله بتصوير بعض اللقطات على حائط قديم أو شرخة باب أو سماء .. كان إستثناء في إلتقاط الصور و الكتابة عليها . إلى أن علمنا بعد رحليه إلى اسبانيا أن كتابته تلك كانت أشعاره . و الصور كان يستثمرها أغلفة للكتب و الدواوين .
صناع وقناصي الزمن و الحركة منذ الفاضل الأنيق بيوطا صاحب إشارة اليد إلى الأعلى وفرقعة الأصابع إعلانا بأخد اللقطة . والبهي صاحب الإبتسامة و القدرة على سرقة اللقطات المذهلة للأطفال الأصيل الكشكاري رحمه الله عليه . و الشريف الأحمدي العروصي المخلص للأهالي و أمين أسرار الأعراس . كانوا أمناء ومحل ثقة الساكنة و الزوار ، كانوا أصحاب محلات أو مستخدمين . كثير منهم كان صاحب آلة تصوير و صنعة ومهارة و فنية و تقنية عالية في إختيار اللقطة و الزاوية و الضوء والمسافة و الإرتفاع . ( ترى من علمهم علم التصوير ) هو ما أهلهم ليحصلوا على مكان كمصورين بين زملاءهم في أماكن إختاروها بعناية وذوق جمالي كبير . حدائق و نافورات ومعالم ….
دون إنذار، هجم الإسمنت على المدينة وشوًّه بعض معالمها الجمالية . كما هاجمت كاميرا الهواتف على معدات التصوير اليدوية و النيكاتيف و الكلتشيه و الزومات و الفلاش …
كم كان محزنا ذات يوم و نحن نرى كاميرا وحيدة على كتف يطوف ، يصول و يجول بنافورة تحمل إسما فقط . جفًَ ماؤها أو سيجت أطراف حديقتها . ولكأن كثيرا من المعاول أوقفت صوتا يقول جهرا .” واحد زوج ثلاثة . اضحك . تراااااك .،”
صار من الممكن الآن أخذ عشرات الصور بدل واحدة . و بفلترات مختلفة أنواعها . لكن يبقى لساحرية لقطة قناص اللحظة بآلته العتيقة أروع الفلترات الأصيلة .
كل عام وفوتوغراف العالم بألف جمال .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب ومخرج مسرحي