
ذ . محمد اكرم الغرباوي كاتب ومخرج مسرحيا
سينما بريس كالدوس ( سينما السويقة ، المسرح البلدي ..أرينا حاليا ) التي تخصصت في عرض الأفلام الهندية التي عرفت بأبطالها و حسناواتها ( دراميندرا . الطويل .رونجيطا . مادهوري . الراي الغباق …. ) أو أفلام حسب مقتضى الظروف كالأفلام الوطنية أو العربية ( مغربية . فلسطينية ….) .
الدخول الى السينما يتطلب دربة وخبرة او تعود . بشباك صغير يسار باب الدخول يتجمهر العديد ممن يطلب تذكرة بوتاكا ( تذكرة الدرجة الاولى بكراسي جلدية ) او تذكرة خينينار ( تذكرة كراسي الطابور درجة ثانية ) وعلى مقربة من الشباك بائعي تذاكر السوق السوداء . كم مرة استهوانا مشاهدة العراك و النزال الذي كانت عدته و سلاحه ( البْوادر و البونيات ) البنية الجسدية واللكمات . وفي الكثير من المرات كنا نرى شباب بزي عسكري يفرقون او يضربون بأحزمتهم الجلدية .

تحت شجرتين وارفتين بالقرب من السينما يجلس بكل واحدة منها رجلان جمعا الكثير من أسرار الحكي و القدرة على جعلك زبونا منتظما لهما .
بالمقابل من باب السينما طاولة حميدو المتخصصة في تقديم قطعات الخبز المحشوة بالتون و صلصة الحار . استطاع حميدو البقاء في مكانه وخدماته طويلا بفضل نزاهته و أمانته وخدماته الطرية .
بمحاذاته كان حمايدة يرش ماء الزهر و يرصص اللوز و الكاوكاو فوق صينية كبيرة مقببة . يتهافت الجميع عليه لأخد قطعة من أكلة الشامية ( أكلة شعبية من الدقيق و العسل و بعض البهارات ) لم يعرف أحد أسرار هذا التهافت عليها مما جعل مع الأمر حكايا و حكايا . شأنه شأن أحمد s بائه الزريعة بالقرب من استوديو التصوير .

تحت الشجرة الوارفة الظلال . يتحلق العديد من الأطفال حول الرياحي . رجل قصير القامة اعتاد لباس سروال عربي ( قندريسي ) و بدلة عصرية . وطربوش . يتخد مكانا وسط الطاولة المستطيلة الزرقاء المغرية . مقسمة إلى قسمين . منطقة بيع الحلويات المعروضة بإنتظام و إغراء . ومنطقة ضربة الحظ .
(السويرتي ) عبارة عن دائرة خشبية بها مسامير على طول القطر . شبيهة بتلك الموجودة بكازينو كبير . بوسطها عمود بمروحة . قسم الدائرة إلى نقط ثمانية متقابلة عند كل نقطة وضع هدية كانت عبارة عن حلوى أو قالب سكر صغير الحجم أو بعض قطع النقود . بعد تقديم ثمن ضربة الحظ . نضرب المروحة لتتوقف عن النقطة الحظ . كانت لا تقف في نقطة الحظ إلا حينما يريد صاحب الطاولة . أو بعد أن يقول بصوته الغليظ للمروحة ” عطيه الربحة ”
بالمقابل له شجرة لم يكتب لها الصمود تم إجتتاثها بعد حرقها ذات ليل . تحت الشجرة الظليلة كان ” با الحبيب ” بجلبابه يفترش كرسي كبير بفروة خروف . أمام طاولة الحلزون . أكواب طينية كثيرة تتحلق حولها الأعمار و الأجناس . كان الحبيب بارعا في الحكاية الشعبية يبدأها متى أراد و ينهيها أنى شاء . الحبيب رحمه الله في ساعة فرحه و سعادته كان يطلق العنان لصوته الشجي يدندن بأغاني جبلية صرفة . كان كلما عمت فوضى بالمكان بادر لفك النزاع و نصرة طفل أو شاب مظلوم .

كان صراخ و صفير جمهور السينما إما سخطا على تقطع بعض مراحل الفيلم . أو إحتجاجا على ضرب بطل الفيلم . كان الدوي يسمع من بعيد كماهي أغاني الممثلين و الممثلات الهنديات التي تعايشنا معها بالحي . وفي كثير من الأحيان كنا نحضى بنداء من الحمري أو كباب أو الأمين للدخول ومشاهدة الجزء الأخير من الفيلم .
الخروج من السينما كان مثيرا. وممتع مشاهدة الجمهور الحالم يرقص أو غير راض على نهاية . وفي مرات عديدة كنا نرى متسللين لشباك التذاكر لمعاودة مشاهدة الفيلم مرة أخرى .
أو من يركض بإتجاه سينما أسطوريا أو سينما المنصور لمشاهدة فيلم أمريكي .
[ وااسفاه تم اعدام ثلاث دور سينما ]
هكذا كانت فضاءات الجمال و المشاهدة البصرية السينمائية . التي أنجبت أندية سينمائية بالمؤسسات التعليمية . و بين الطلبة و الطالبات . و الجمعيات الجادة . وأذكر خيرة أبناء و بنات المدينة وهم ينتظرون أفلاما من المركز السينمائي و عرضها بقاعة أسطوريا و مناقشتها وتحليلها .
كان الأحد صباحا عرسا و مهرجانا سينمائيا تلتقي به المعرفة و الفكر و النقد و القدرة على تحليل مالم يقدر الان المتهافتون على ألقاب النقد الفني وجمالياته .
بريس كالدوس ، ذاكرة إغتالها المكر السياسي و الجبن الثقافي . أمام صمت رهيب . إلا من محاولات شبابية أنذاك نادت بصوت مكلوم و حاولت منع قتل السينما و المسرح البلدي … الذي صار ذكرى أو عدم للعديد .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب ومخرج مسرحيا